Tuesday 11th february,2003 11093العدد الثلاثاء 10 ,ذو الحجة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

إضاءة إضاءة
النداء الأخير
شاكر سليمان شكوري

لا أظنني في حاجة إلى التأكيد على أن أي إنسان عاقل يمكن أن يتحمل ضميره الدفاع عن وجود أسلحة الدمار الشامل بيد من يمكن أن يصدر قرارا باستخدامها ضد أي من البشرية. هذه قضية محسومة سلفاً، وعربياً.. لطالما نادت أصوات كثيرة حتى على مستويات القيادات بتنظيف منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار المحرمة دولياً، لكن أصوات العقلاء في هذا الزمن تذهب غالباً أدراج الرياح. وحين استغرقت في مشاهدة وزير الخارجية الأمريكي باول وهو يستعرض أمام مجلس الأمن قبل أيام قرائن إدانة الجانب العراقي بحيازة أسلحة الدمار الشامل، لا أدري كيف تبادر إلى ذهني بعض ما يجري في أفراح الإخوة المصريين ومناسباتهم، حين يضيق المصور ذرعاً بطلبات الحضور خاصة الأقل أهمية فيضغط زر «الفلاش» ليضيء في وجه «الزبون» فحسب، دون أن تفتح عدسة الكاميرا وبالتالي لا تسجل الصورة على شريط الفيلم بداخلها، وهنا يقول المصريون: صورة أمريكاني، أي «فالصو» - بتعبيرهم أيضاً وبالعربي الفصيح ليست حقيقية وإنما هي مجرد غش وخداع. بيد أني اتهمت نفسي بالجهل خاصة وأن وزير الخارجية الأمريكي لم يعف نفسه من هذه التهمة وهو يعرض القرائن حين اعترف بأنه يجهل كثيراً من هذه القرائن خاصة ما يتعلق بصور الأقمار الصناعية.
لكن الرجل لم يكد ينتهي من إلقاء بيانه واستعراض قرائنه، حتى استقبله الحضور بفتور لا يكاد يخفي شكوكاً مماثلة لشكوكي لدى وزراء الخارجية الكبار مما حدا بفرنسا والصين وروسيا إلى طلب تسليم هذه القرائن إلى المفتشين الدوليين لبحثها على الطبيعة، كما طالبت كل من فرنسا وروسيا بتسليمهما القرائن لفحصها بمعرفة أجهزة الدولتين وعلمائهما للتثبت من حقيقة ما تحويه الصور والتسجيلات. بنهاية الجلسة لم أتمالك نفسي فقد أصابني شيء من الزهو، لأني وجدت وزراء خارجية الدول الأعلى صوتاً في المحفل العالمي بعد القطب الأوحد طبعاً يتفقون معي من حيث الشك الذي ساورني في قرائن الاتهام، التي تسعى أمريكا على أساسها إلى استصدار قرار مجلس الأمن بضرب العراق! بل إنها تهدد بالذهاب منفردة إلى الحرب وليس معها إلا الحليف المغمض العينين الأصم الأذنين.
ذلك رغم أن الشك منطقة محايدة بين الإيجاب والسلب، فلا يجوز اتخاذ القرار بحده، بل لا بد من الوصول إلى الحقيقة على جانبي الشك المحايد، فهذا هو المفترض منطقياً في معالجة الأزمات صغرت أم كبرت تلك الأزمات، فالقرائن وحدها لا تسوغ ضرب شعب، إذ إن القرينة قد ترقى إلى رتبة الدليل، كما أنها قد تصبح مثل فقاعات الصابون سرعان ما تنفجر تباعاً دون أن تخلف صوتاً ولا محتوى ولا أثراً! وبما أن الأصوات العاقلة قد بحت حتى داخل أمريكا لعدول إدارتها عن رغبة الحرب العارمة والتريث في انتظار الحقائق وإن استغرق ذلك زمناً، فأي صوت من الشرق قد لا يضيف إلا مزيداً من القرائن بل ربما قد يتهم بما هو أبشع، فكما أن الصهيونية العالمية اخترعت «كليشة» على شكل تهمة جاهزة لكل من يخالفها الرأي أو يقف في طريق طموحاتها غير المشروعة وهي تهمة معاداة السامية، فإنها استطاعت أن تصنع «كليشة» جديدة بعد أحداث سبتمبر بعنوان «الإرهاب» تهمة يمكن أن تنسب إلى أي مسلم أو عربي دون الحاجة لتمحيص!
وإذ يعجز هذا الصوت عن الوصول بشفافية إلى الشارع الأمريكي ناهيك عن أصحاب القرار هناك، فإن هذا الصوت يجب ألا يسكت وإلا أصبح شيطاناً أخرس، يجب أن تتوجه أصواتنا اليوم إلى العراق، فربما كان هو النداء الأخير قبل إقلاع طائرة السلام وهجوم طائرات التحالف، حرصاً على أرواح الأشقاء الأبرياء من الشيوخ والنساء والأطفال والشباب الذين لا ذنب لهم ولا جريرة حتى لو كان هناك شيء من تلك الأسلحة على أراضيهم فإنهم بالقطع ليسوا أصحاب قرار ولا أرباب مسؤولية عن ذلك، لكنهم إذا قامت الحرب قد يصبحون بعض ضحاياها. من أجلهم جميعاً نتوجه إلى الإدارة العراقية أن تكون لدماء أبنائها أحفظ، في مواجهة قوة نتفق على أنها غاشمة بل ولذا نحذر، ويمكن تفويت الفرصة عليها وكسب تأييد العالم كله لو أن العراق فتح ذراعيه مرحباً بالتفتيش كيفما أراد ممثلو المجتمع الدولي وأعني بهم المفتشين، وتذليل كل العقبات أمامهم. وأن يلغي المسافة الفاصلة بينهما لتبطل الحجج التي تدق على أساسها طبول حرب لا يعلم إلا الله منتهاها وما الحديث عن الحرب بالحديث المرجم، وما تفيد فيها العنتريات التي ما قتلت ذبابة!

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved