من الملاحظ ان بعض الناس وبعض العاملين بالصحف لا يقدرون الرأي الآخر ولا يحترمونه ويرون أن يسود ما يرونه هم ويحاولون قدر استطاعتهم الحيلولة دون وصول الرأي الآخر إلى القراء مع أن الكتابة في الصحافة سواء كانت على هيئة بحوث أو مقالات أو حوارات تمثل رسالة من كاتبها وأمانة علمية أو ثقافية أو نقد بناء أو توجيه يرى الكاتب طرحه على القراء وعلى المسؤولين المعنيين لعل وعسى ان يكون فيه الفائدة فيؤخذ به. أقول هذا بمناسبة ما لاحظته على بعض الصحف التي اعتدت أن أرسل لها مقالاتي إذ لاحظت عدم نشر بعض المقالات مع أنها لا تتناول ولا تخوض في أمور سياسية حساسة بل هي تتطرق لأمور علمية أو اجتماعية أو قضايا عامة أو خاصة أو مناقشة بعض الأمور في المجتمع. وعلى سبيل المثال سبق أن كتبت مقالا عن التحكيم وفريق التحكيم السعودي متسائلاً ومناقشاً حول اختصاصاته والأداة التنظيمية التي شكل بموجبها، ولم ينشر لأسباب لا أعلمها بالتحديد. كما كتبت منذ فترة قصيرة مقالا بعنوان (لا يسوغ الكتابة في الصحف عن بعض الدعاوى «القضايا» ما دام لم يصدر بها حكم نهائي وبات) ولم ينشر هذا المقال فما هي الأسباب؟! ولعلني أورد نص المقال فيما يلي ثم أعلق على ذلك:
كثيراً ما يطلب مني بعض المحررين ان أكتب عن القضايا (الدعاوى) في الصحف رغبة في شد انتباه القارئ إلى الصحيفة لما تنطوي عليه بعض القضايا من أمور لافتة للنظر، وقد قلت لكل من طلب مني ذلك أنه لا يجوز لي أن أكتب عن أي قضية لم يفصل فيها بحكم نهائي بات واجب النفاذ، وذلك لأن الكتابة عن الدعاوى التي تنظر أمام المحاكم أو ديوان المظالم واللجان ذات الاختصاص القضائي غير سائغ، بل أقول غير جائز لأن هذا قد يؤثر في مجريات القضية وسيرها والتأثير فيها بشكل مباشر أو غير مباشر على ما يقصد إليه من رفع الدعوى وهو تحقيق العدل والإنصاف وإحقاق الحق ودفع الظلم، وهو الغاية والهدف المنشود من كل دعوى تقام، أما بعد الفصل في القضية بحكم نهائي واجب النفاذ فيمكن كتابة ملخص عنها بدون ذكر للأسماء.
وإزاء ذلك ولكي يتحقق منع مثل هذه الكتابات، فإنني أقترح صدور قرار تنظيمي من مجلس الوزراء الموقر ينص على منع النشر عن القضايا التي تكون محل نظر لدى المحاكم وديوان المظالم واللجان شبه القضائية، وأن من يخالف ذلك يطبق بحقه الجزاء الرادع والزاجر حتى تسير الدعاوى والقضايا بعيدة عن التأثير الإعلامي الذي قد ينعكس أثره على مجريات الدعاوى وسيرها، وعند صدور مثل هذا القرار التنظيمي تزول تلك التجاوزات والمخالفات التي تحصل وأذكر على سبيل المثال ما قرأته في يوم الأحد 25/10/1423هـ الموافق 26/12/2002م في إحدى الصحف المحلية تحت عنوان (شركة سعودية ترفض تنفيذ حكم الدائرة التجارية بديوان المظالم) (قصة خبرية - جدة) وفي الحقيقة إنني أعرف عن هذه الدعوى بحكم سياق الخبر نفسه بأن الحكم الذي صدر هو من الدائرة التجارية وهو حكم ابتدائي وليس حكماً نهائياً، بل قابل للاعتراض عليه أمام دائرة التدقيق بديوان المظالم، وبالتالي ما كان يجب النشر بهذا الأسلوب بأن (شركة وطنية ترفض تنفيذ الحكم) لأن هذا الحكم لم يكتسب القطعية التي تجعله واجب النفاذ، وما كان يستساغ من الصحيفة ان تنشر هذا دون التأكد من وضع الحكم خاصة وان النشر كان في اليوم التالي لصدوره إذ كان يتوجب على الصحيفة ان تتأكد من حقيقة ما ذكر في سياق ذلك الخبر (أو ما سمي بقصة خبرية) قبل النشر إذ سوف يتضح لها ان الحكم لا ينفذ بمجرد صدوره إذا كان محل اعتراض من الطرف الآخر في الدعوى لأسباب شرعية أو نظامية وكان يحسن بهذه الصحيفة وغيرها من الصحف ان لا تنشر عن القضايا والدعاوى التي لا تزال قيد النظر أمام القضاء حتى لا يؤثر ذلك على مجريات الدعوى كما سبق التنويه آنفا.
هذا هو المقال الذي لم ينشر من إحدى الصحف فما السبب؟! الآن المقال فيه نقد لبعض محرري الصحف، أو نقد لبعض الصحف التي تنشر عن بعض القضايا التي لم يفصل فيها بشكل نهائي لشد انتباه القارئ إذا افترضنا حسن النية لدى المحرر، وقد يكون النشر متعمداً لأمور خفية ومقاصد غير سليمة، وبالتالي لا يراد لهذا النقد أن يقرأ، ولا الاقتراح المطروح بشأن إصدار قرار تنظيمي للحد من النشر عن الدعاوى التي لم يصدر فيها حكم نهائي واجب التنفيذ ان يصل إلى السلطة العليا فتأخذ به.
إن من الواجب على رؤساء التحرير والمحررين وأي ممتهن للعمل الصحفي ان يقبلوا النقد بصدر رحب وبعد نظر وان كان ما كتب لا يتفق مع آرائهم وتوجهاتهم، وان يتاح للكاتب ان يقول رأيه بحرية واستقلال ليصل إلى المسؤولين والقراء أو أي مطلع مهما كان مركزه وموقعه وهذا يمثل قمة الاستقلالية والحياد الصحفي المتمكن.
وها أنذا أعيد الكتابة مرة ثانية راجيا ان يكون فيما كتبته الفائدة والإقناع بأهمية ما ذكرته من الناحية العملية والواقعية والقانونية والله من وراء القصد والهادي إلى سواء السبيل وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
* المحامي: (محام ومستشار قانوني)
- عضو مجلس إدارة مركز التحكيم التجاري لدول الخليج العربية/ممثل مجلس الغرف السعودية.
- عضو لجنة المحامين بالغرفة التجارية الصناعية بالرياض.
|