يقول المستشار الألماني جيرهارد شرودر ان ألمانيا لن تشارك في أي تدخل عسكري في العراق ورغم ذلك فإنه من غير الواضح ما إذا كانت بلاده سوف تعارض صدور قرار من مجلس الأمن الذي تترأسه الشهر الحالي باستخدام القوة العسكرية ضدالعراق.
كما أن الموقف الفرنسي أيضا يتسم بالغموض حيث تهدد دون أن تتعهدباستخدام حق النقض الفيتو ضد صدور قرار من مجلس الأمن باستخدام القوة العسكرية في نفس الوقت فإن الولايات المتحدة لا تنظر إلى الانتقادات الفرنسية باهتمام كبير حيث يقول وزير الخارجية الأمريكي كولن باول ان باريس سوف تنضم في النهاية إلى صف الولايات المتحدة الأمريكية كما تفعل دائما والملاحظ أن شرودر فاز في الانتخابات الألمانية الماضية التي جرت في سبتمبرالماضي بسبب معارضته لخطط الرئيس الأمريكي جورج بوش لضرب العراق ولكنه عاد ووعد بإرسال قوات ألمانية إلى تركيا تضم أطقم طائرات التجسس التابعة لحلف شمال الأطلنطي وحتى رفض حلف الأطلنطي لتقديم المساعدة العسكرية لأمريكا في حربها المنتظرة ضد العراق يبدو رفضا مؤقتا فعلى مدى السنين تعلمت واشنطن أنها تستطيع إرهاب أي دولة في العالم وإجبارها على الرضوخ في الكثير من القضايا لكنها في الأزمة العراقية منحت أوروبا فرصة ثانية والمسألة ببساطة هي أنه لا المظاهرات الغاضبة ولا الدبلوماسيون الذين يشعرون بالإحباط يمكن أن يمنعوا الرئيس الأمريكي جورج بوش من إصدار أوامره بضرب العراق ورغم ذلك فالحاجة ماسة إلى خطوات سياسية ملموسة من جانب معارضي الحرب حتى يقتنع بوش وصقور إدارته أن العالم ليس خلفه فعلى فرنسا مثلا أن تفعل ما هو أكثر من البيانات السياسية أي أنه عليها أن تستخدم حق النقض «الفيتو» داخل مجلس الأمن ضد أي قرار باستخدام الحرب ضد العراق وبهذا الموقف القوي وتمسك فرنسا به يمكن لها أن تشجع كل من روسيا والصين على الانضمام إليها في مواجهة الضغوط الأمريكية وبهذا فاعتراض دولتين أو ثلاثة من الدول الأعضاء في مجلس الأمن بالإضافة إلى رفض دول أخرى مثل ألمانيا وغيرها من الدول غيردائمة العضوية في المجلس سوف يؤكد للإدارة الأمريكية أن حربها لا تحظى بأي دعم دولي الأمر الثاني أنه يجب على المستشار الألماني أن يؤكد أن معارضته للحرب لم تكن مجرد مناورة انتخابية رخيصة فالولايات المتحدة لن تحتاج إلى موافقة ألمانيا على الحرب إذا ما سمحت الحكومة الألمانية للأمريكيين باستخدام المجال الجوي الألماني ونقل القوات الأمريكية الموجودة في القواعد الألمانية للمشاركة في الحرب القادمة وكذلك توفير أطقم قيادة طائرات التجسس «أواكس» التابعة لحلف شمال الأطلنطي في تركيا فإذا كان المستشار شرودر يؤمن بأن سياسة بوش تجاه العراق مضللة وخطيرة فعليه أن يقول ذلك صراحة وأن يرفض صدور أي قرار من جانب مجلس الأمن يسمح بهذه الحرب بالإضافة إلى رفض مشاركة القوات الألمانية بأي صورة من الصور وكذلك رفض استخدام أمريكا للمجال الجوي والقواعد العسكرية في ألمانيا.
الأمر الثالث ضرورة قيام فرنسا وألمانيا بتشجيع غيرهما من الدول للانضمام إلى موقفهما الرافض للحرب فرفض الحرب من جانب عدد من الدول الأوروبية أفضل من رفضها من جانب دولتين فقط كما أن رفض الحرب من جانب دول أعضاء غير دائمين في مجلس الأمن مثل سوريا وباكستان بالإضافة إلى الهند وإندونيسيا وربما اليابان سوف يكون له تأثير مهم.
الأمر الرابع أنه يجب على كل من فرنسا وألمانيا أن تشجعا دولاً مثل الأردن وتركيا - حيث تواجه الحكومة التركية الجديدة معارضة شعبية قوية لمثل هذه الحرب- على رفض الانضمام للمعسكر الأمريكي علما ان نسبة المعارضة في تركيا تصل إلى تسعة مقابل كل واحد يؤيد الحرب.
الأمر الخامس يجب أن يعلن حزب العمل البريطاني عن رفضه للحرب باسمه فرئيس الوزراء البريطاني ورئيس حزب العمل توني بلير يؤيد الرئيس جورج بوش وسياسات إدارته ولكن الحرب القادمة لن تكون حرب بلير.
الأمر السادس يجب أن يهتم حلفاء الولايات المتحدة الآخرون بمصالحهم الخاصة فاستراليا على سبيل المثال تدعم إدارة الرئيس بوش بقوة مع أن أي حرب أمريكية ضد العراق سوف تزيد من سخط المسلمين وتشجع على نقل أسلحة الدمار الشامل من بغداد إلى يد المنظمات التي تستطيع في هذه الحالة شن هجمات مدمرة ضد أمريكا وحلفائها خاصة وأن أستراليا تعيش بالقرب من أكبر تجمع للمسلمين في العالم في منطقة جنوب شرق آسيا وبخاصة ماليزيا وإندونيسيا وهناك تشتعل المشاعر ضدالغرب بالفعل حتى كوريا الجنوبية واليابان اللتين تركزان على الأزمة الكورية الشمالية التي تمثل تهديدا مباشرا لهما يجب أن يدركا أن أي حرب قادمة ضد العراق سوف تزيد احتمال المواجهة العسكرية في شبه الجزيرة الكورية فعلى الرغم من أن الرئيس بوش يعلن أنه لا يعتزم استخدام الحلول العسكرية مع كوريا الشمالية فإنه لا أحد يمكنه الثقة في كلمات بوش فما أن يتم غزو العراق حتى تتصاعدالدعوات داخل الإدارة الأمريكية للقيام بعمل عسكري ضد كوريا الشمالية وفي هذه الحالة قد لا تصبح للمعارضة اليابانية والكورية الجنوبية أهمية كبيرة.
وأخيرا يجب أن تحذر الحكومات الأخرى واشنطن من أنها لن تساعد الولايات المتحدة بعد أي حرب فإدارة الرئيس بوش تعتمد على الدول الأوروبية لتوفير عشرات الآلاف من الجنود التي ستظهر الحاجة إليهم لحفظ النظام ومنع الاقتتال الأهلي في العراق بين الشيعة والأكراد والعرب السنة والبعثيين بعد سقوط صدام حسين وهذه المهمة قد تحتاج إلى سنوات عديدة.
وهنا يجب أن تعلن فرنسا وألمانيا وغيرهما من الدول الأوروبية أنها لن تكون مع أمريكا في حربها ولا في سلامها إذا ما اختارت الحرب.
أما إذا ما تراجعت كل من باريس وبرلين عن موقفهما القوي الحالي بعد كل هذاالضجيج الإعلامي فسوف تسقط هيبة كل منهما لدى واشنطن ولن تعبأ بهما الإدارة الأمريكية بعد ذلك في أي أزمة دولية فهيبة الدول الأوروبية وغيرها من الدول التي ترفض الموقف الأمريكي هي على المحك حاليا فتخلي هذه الدول عن مواقفها والخضوع للضغوط الأمريكية سوف يقنع إدارة الرئيس بوش بأنها تستطيع فرض إرادتها دون أن تعبأ بالآخرين وسوف تتكرر الأزمة العراقية في أماكن اخرى من العالم وستكون البداية مع كل من إيران وكوريا الشمالية وهما الضلعان الآخران لمحورالشر مع العراق حسب التصنيف الأمريكي وربما تستهوي لعبة تغيير أنظمة الحكم صقور اليمين في واشنطن فيحاولون تنفيذها في فنزويلا مثلا وكذلك تستهويهم لعبة نزع السلاح بالقوة فيقررون ممارستها مع باكستان فيما بعد.
اعترف أنه سيكون من الصعب وقف اندفاع واشنطن ناحية الحرب ولكن المعارضة الدولية الموحدة يمكنها أن تفعل ذلك.
(*) خبير استراتيجي في معهد كاتو للأبحاث بواشنطن
(*)عن فرانكفورتر الجيميني زيتونج الالمانية - خدمة الجزيرة الصحفية
|