في عدد الجزيرة 16058 الموافق الثلاثاء 7/1/2003م استوقفني مقال للمهندس عبدالمحسن عبدالله الماضي بعنوان (مطالب وطنية) يصف فيه العرب بالتناقض وانهم يرون انفسهم دائما على حق والآخرين على باطل ، في حين أننا كعرب نرفض مجرد التفكيرفي انفصال جنوب السودان عن الوطن الام أو تقسيم العراق الى دويلات وعرقيات متنافرة؛ لان الانفصال يؤدي إلى الضعف وربما قاد الى انهيار كامل لقطرين من أكبر الدول العربية اكتنازا بالثروات الطبيعية. ثم يحذر الكاتب من الدخول معمعة هذا التدخل ويقول في معرض تحذيره: «ويكفينا ما حدث في أفغانستان».
وهنا أتوجه بسؤال أرجو أن يتسع له صدر الكاتب ماذا عسانا نفعل نحن المسلمين حين يتعرض اخوان لنا للقهر والاذلال والحرب بكل أنواعها ؟ - والجميع يعلم قصة الجندي الروسي الذي اغتصب فتاة شيشانية وهي تحتضر - وما أثارته تلك الحادثة الكارثية من ضجة كبيرة لدى غير المسلمين فما بالك بالمسلمين؟
أما موضوع انفصال الشيشان عما كان يسمى بالاتحاد السوفيتي فهذا ليس بدعاً من باقي الجمهوريات التي استقلت مثل (ليتوانيا وأكرانيا ولاتفيا وجورجيا... الخ) وقد انضمت بعض هذه الدول إلى تجمعات وأحلاف غربية لا تزال على عداوتها مع روسيا ، إذاً فلماذا غص حلق روسيا عندما أراد الشيشان الاستقلال رغم كونها جمهورية صغيرة فقيرة مقارنة بباقي الجمهوريات ، وتاريخ الشيشان البطولي وصعوبة مراسهم وإبائهم وشممهم وروحهم القتالية صفات معروفة فيهم منذ أيام القياصرة حيث سامهم الروس سوء العذاب، ولم تنضم الشيشان إلى الاتحاد الروسي إلا بهذا الأسلوب فمن الطبيعي أنه حينما تضعف القبضة القوية أن ينفك إسار المظلوم عن الظالم ، كما حدث مع باقي الجمهوريات، وكما حدث في يوغسلافيا - سابقاً- إذ لم يعترض أحد على استقلال كرواتيا ومقدونيا وسلوفينيا بينما قامت الدنيا ولم تقعد عندما استقلت البوسنة والهرسك، فيا للعجب في زمان اضحت تسود في كل ناحية فيه سياسية الكيل بمكيالين؟!
وكذلك أسأل الكاتب على أي وجه تُفسر الآيات القرآنية التي تدعونا إلى الجهاد- وما أكثرها - (سورة الأنفال) وعلى أي وجه تُفهم أحاديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم التي تدعونا إلى الجهاد ، بل إن الجهاد في صدر الاسلام لم يكن لمجرد القتال بل كان لرفع الظلم عن الإنسان واتاحة الحرية له لاختيار الاسلام أو البقاء على دينه في ظل قانونه العادل . فإذا كان منطلق الجهاد رفع الظلم عن الكافر فما بالنا بإخواننا في الدين، أفلا يستحقون النصرة؟. وماذا نقول عن اتفاق ومباركة جميع علماء المسلمين الأجلاء هذا الجهاد ؟
أما رفض العرب مبدأ تقسيم العراق الى ثلاث دول، فذلك لأن الوضع في ذلك البلد يختلف كثيرا، فالأكراد لم تكن لهم دولة مستقلة غزاها العراق وضمها اليه بالقوة ، فإن كان الاكراد يعانون فليسوا وحدهم الذين يعانون بل إن الشعب العراقي بجميع طوائفه ومذاهبه يعيش في أجواء المعاناة، يعاني آلامها ويلعق جراحاتها، فضياع الحقوق وغياب الممارسة الديمقراطية ومصادرة الحريات - بالاضافة الى القوى الخارجية - تهيىء تربة خصبة للانفصال والعكس صحيح، فلو نالت الشعوب بجميع اطيافها الحريات والحقوق كاملة لما داعب الانفصال خيال أحد. فمكسيكو سيتي على سبيل المثال ولاية مكسيكية ضمتها إليها الولايات المتحدة ، تُرى لو خُيِّرت الآن بين العودة الى المكسيك أو البقاء مع الولايات المتحدة فأيهما تختار ولماذا؟.
وما قيل عن العراق ينسحب ايضا على السودان فأما القول بأن جنوب السودان تقطنه أغلبية وثنية فهو قول مردود على صاحبه، إذ ان ذلك الجزء من السودان بأقاليمه الثلاثة: الاستوائية وبحر الغزال وأعالي النيل شهد منذ بدايات القرن الماضي حملة تبشيرية قادها نفر جليل من أبناء الوطن من العلماء والقضاة الشرعيين.
فسكان جنوب السودان قد دخل الكثير منهم دين الاسلام وأبدلوا في كثير من المناطق عادة العري والملابس غير المحتشمة بلباس الثوب الكاسي لعموم الجسد.. وتعلموا القرآن والحديث وأصول الفقه، بل إن أحد قادتهم.. اللواء سابقا جوزيف لاقو.. وهو قائد الأنانيا «2» قد قطن شمال السودان وتزوج إحدى بنات الشمال بأم درمان.أما المسيحية، فهي الديانة الغالبة على أهل الجنوب الذين يزيد عددهم على عشرة ملايين نسمة، وهم يتعايشون مع اخوانهم المسلمين انطلاقاً من مبدأ تعايش الأديان.في الختام أقول إننا عرباً ومسلمين لا نناقض أنفسنا بقدر ما ينخدع بعضنا ويسير عكس اشارة البوصلة رغم وضوح السبيل، ولكنه الخوف والأهواء والمصالح. وفينا يصدق قول الشاعر:
على الذم بتنا مجمعين وحالنا
من الخوف حال المجمعين على الحمد
|
فقد جربنا استرضاء كل من نعلم أنهم لايريدون أن تقوم لنا قائمة بكل الحيل والسبل ولكن سرعان ماكانوا يقلبون لنا ظهر المجن ويمعنون في إيذائنا وإهانتنا
وليس علينا إلا الشكر أو الصمت.
ولم ار ظلماً مثل ظلمٍ ينالنا
يُساء إلينا ثم نؤمر بالشكر
|
عبدالرؤوف محمد أحمد أبوالحجاج/الرياض
|