مرحباً بحجاج بيت الله، حللتم أهلاً ووطئتم سهلا، جئتم من كل فج عميق من أرجاء المعمورة، ترجون رحمة الله وتخافون عذابه، تؤدون فريضة عظيمة من فرائض الإسلام.
لقد شاهدتم عياناً منذ وطئت أقدامكم أرض هذه البلاد كيف وفرت لكم الخدمات في المأوى والغذاء والعلاج شاهدتم طرقاً فسيحةً ومطاراتٍ عامرةً مستوعبة وموانئ مجهزة وذات طاقة استيعابية متميزة. وجند من أجلكم الأنواع المختلفة من الحافلات وأنواع السيارات بأعداد تبلغ الآلاف ومن أفضل ما انتجته المصانع من الموديلات. ووفر لكم الأدلاء والمطوفون والمرشدون لتتمكنوا من قضاء حجكم وعمرتكم وزيارتكم في جو من المتعة والراحة والأمن والاطمئنان.وعلاوة على هذا وفرت لكم وسائل الاتصال بأهلكم وذويكم أينما وجدتم وفي أي مكان حللتم.
شاهدتم الحرم والكعبة المشرفة ورأيتم كيف تمت توسعة الحرم وكيف تم تشييده بشكل لم يخطر على بال عظمة وقوة ونظافة واتساعاً وتكييفاً وفرشاً وتعقيماً من أجل راحة المسلمين مواطنين ومقيمين ووافدين، وشاهدتم الانفاق التي اخترقت صُمَّ الجبال والعقبات التي ذللت قممها وشعافها وسفوحها وأصبح السير فيها هيناً سهلاً ميسراً.وشاهدتم المشاعر المقدسة في منى وعرفات ومزدلفة كيف نظمت طرقها ومسالكها وهيئت لاستقبال الحجاج واستيعابهم بانتظام وأمان ووفرت بها جميع الخدمات والتجهيزات وكيف وزعت شبكات المياه وكيف نظمت ساحات وممرات الجمرات الثلاث وشاهدتم المسالخ التي أقيمت على أحدث المواصفات وأتم التوسعات وجند لها الطاقات البشرية المؤهلة وتمكنت من استيعاب مايهديه الحجاج ومايضحون به وحفظت ما زاد على الحاجة وماهو حق للفقراء والمساكين وتم ايصاله إلى المستحقين له في الداخل وفي الخارج على أحسن صورة وأفضل أسلوب صحي ممكن ولسنا في هذا المقام نقصد الحصر والاستقصاء لما يقدم للحجاج والمعتمرين والزائرين وإنما نقصد ضرب المثل فقط.
إذا كان ما ذكر وما لم يذكر من الخدمات الموجودة على أرض الواقع قد توافرت فإن الدليل القاطع قد تحقق على أن هذه البلاد شعباً وحكومةً وولاة أمر قد وفقوا وهدوا إلى أفضل وأنبل وأعز مايتمناه كل مسلم في خدمة الإسلام والمسلمين فمنذ أربعة عشر قرناً من الزمان لم يحصل للبلاد المقدسة مكة والمدينة المنورة من الرقي والتقدم والازدهار ما حصل لها في هذا الوقت ومن يشاهد ماجرى ويجري في حرم المدينة وماحوله عمارة فائقة وتوسعة بل في المدينة كلها وماجرى ويجري في مكة المكرمة وفي مدينة جدة وفي بقية مدن المملكة يعلم يقينا بأن المملكة تفهمت مسؤوليتها وأدت واجبها وهي تعلم ان الطريق طويل وشاق وان الأعمال بالخواتيم وان وجود الشيء من حيث المبدأ فضيلة وأفضل منه الاستمرار في فعل الخير والثبات عليه والنية الصالحة في ذلك.
إذا كان ما أشير إليه قد تحقق في سبيل راحة وخدمة المسلمين كافة فما هو المطلوب منهم؟.
مما لاشك فيه أن المملكة لاتريد مقابل ما قامت به وتقوم به من أعمال جليلة جزاء ولاشكوراً من أي مخلوق لقد تشرف ولي الأمر فيها بلقب خادم الحرمين وهو أحب ألقابه لديه ابتغاء مرضاة الله، ولكن المؤمل من كل مسلم بذل الدعاء فقط «وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان» ويؤمل من كل مسلم فوق ذلك الذي يُقدَّر له ان تطأ قدماه هذا التراب الطاهر ان يشعر بمسؤوليته الإسلامية وهو بإذن شاعر بذلك- فيتجلى في تصرفاته الخلق الحسن والسلوك السوي والآداب الفاضلة وان يخشع في عبادته ويخلص في عقيدته ويحسن نيته ويتعامل مع اخوانه المسلمين باللطف واللين والرحمة والشفقة وبخاصة في طوافه وسعيه وعند رمي الجمرات وفي كل فعل من أفعاله وحركة من حركاته يؤمل من كل حاج ومعتمر حينما يخلع لباسه المعتاد ليرتدي ملابس الإحرام ان يخلع أسباب الذنوب والخطايا وأن يقلع عن كل أمر يشينه ويندم على فعل المحظور ويعزم ألا يعود إلى إثم أو عدوان أو أي أمر لايقره شرع الله، ومرغوب من الحاج والمعتمر ان يتلبس بكل فضيلة ويعمل عملاً صالحاً خالصاً لله صواباً على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعله يعود إلى أهله بحج مبرور وذنب مغفور وسعي مشكور وتجارة لن تبور وإذا كان من بين حجاج بيت الله من ينقصه الفقه في الدين سواء من الداخل أم من الخارج ويحتاج إلى التوجيه والإرشاد فإنه بحمد الله يوجد من فئات الحجاج من الداخل ومن الخارج نماذج أخرى راقية في إنسانيتها متضلعة في علمها مملوءة ثقافة وخلقاً حسناً وسلوكاً مستقيماً ومن حق إخوانهم عليهم الإرشاد والنصح والتوجيه وبخاصة من أسندت إليهم هذه المهمة رسمياً وهم لها فاعلون إن شاء الله.ومن المعلوم ان الحج اجتماع عظيم يشترك فيه عامة الناس وخاصتهم في أشرف بقعة وأفضل وقت الكل جاء يرجو جزيل الأجر وعظيم الثواب ولن يرجعوا بفضل من الله صفر الدين يقول المصطفى صلوات الله وسلامه عليه: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينها والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» - «من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» - « مامن يوم يعتق الله فيه الرقاب أكثر منه في يوم عرفة» فهنيئاً لحجاج بيت الله {ذّلٌكّ فّضًلٍ اللّهٌ يٍؤًتٌيهٌ مّن يّشّاءٍ وّاللَّهٍ ذٍو الفّضًلٌ العّظٌيمٌ} .
|