عندما نحدق بالاشياء نستطيع ان نقرأ مابين السطور وحينما نتأمل ذكريات مضت نستطيع ان نقرأ مابين الحنايا من اسرار التاريخ القديم والتراث هو تلك العين الحانية التي توقظ فينا ذكريات باتت في تكويننا الثقافي لتبقي لنا بعضاً من بقايا الصور الذي علقت على جدار الأيام الماضية.
ومهما حاولنا حفظ اصالتنا وماضينا في ذاكرتنا، لابد وان تكون هناك عين واثقة تستطيع ان ترصد برؤية عميقة ماذا حدث لنا قديماً وماذا سيحدث مستقبلاً ومابين القديم والمستقبل حاضر زاهر نعيش به ويعيش بنا.
التراث بين عبق الماضي ورؤية المستقبل
لو تساءلنا: من المسؤول عن تلك العين الحانية، من يستطيع ان ينقل صورة باتت في ذاكرتنا كحلم جميل، من سيعطي الاجيال القادمة بعض ملامح أصالتنا وحضارتنا، من سيغذي تكويننا الثقافي ويرتب لنا اوراقنا المبعثرة؟؟ ربما قد حان الوقت لنستيقظ من سبات الحضارة المنسية، هنا استطيع ان استعرض مسيرة مؤسسة كانت فكرة انشائها ليس فقط لتذكيرنا بتراثنا العريق انما لتساهم في اعادة صياغة المفهوم الوطني للتراث وتأكيداً لأهمية ليس كبقايا ذكريات وانما كعنصر متجدد يستمد جذوره من الماضي العريق وليسهم في انطلاق وطنية حضارية واثقة الى مستقبل اكثر اشراقاً انها مؤسسة «التراث».
التراث حضارة متنقلة بين الأجيال
يعد توثيق مؤسسة «التراث» للتاريخ بالصورة والكلمة حضارة متنقلة بين الاجيال، لذلك لابد ان نعود بذكرياتنا لنستعيد تاريخنا الانساني المعتق بالصور المتوارث بالكلمة ويظهر هذا جلياً فيما تقوم به مؤسسة التراث من اعمال تؤكد ان تراثنا السعودي والعربي باق كالنقش على الحجر، وتعتني مؤسسة التراث عناية كبيرة بالتراث الاسلامي من خلال برنامج الامير سلطان بن عبدالعزيز للعناية بالمساجد القديمة ذات الخصوصية العمرانية بالمملكة بتوثيقها، تمهيداً لترميمها وتأهيلها وتعهدها بالصيانة بما يخدم عمارها بالشكل الامثل وحيث ان التراث العمراني بمثابة العلاقة الابرز لهوية المجتمع واصالة تاريخه والمرجع لعراقة المدن ومصدر الهامها والاستمرارية بين جمال الحاضر وتطور المستقبل، لذلك أولت مؤسسة التراث اهمية كبيرة بالتراث العمراني حيث قامت بتشجيع استخدام مواد البناء المحلية وتقديم المشورة بالنسبة لتطوير البناء بها كما تقوم ايضا على توثيق وترسيخ بعض المباني والمناطق الاثرية، ان تنمية المجتمع امرلابد منه والتنمية الثقافية والحضارية تأتي من جذور الاصالة بالماضي وصقلها بالحاضر ومن هذا المنطلق تقدم التراث الدراسات الشاملة ودراسات لتشغيل وادارة المراكز الثقافية وتقوم ايضا ببناء مجسمات للمدن القديمة بالمملكة مبنية على دراسات تاريخية دقيقة كما تساهم في التنمية المعرفية بتاريخ المملكة من خلال تقديم خدمات ثقافية متخصصة تتمثل في التعليم غير المباشر ليطلع من خلالها المجتمع على التطويرات العالمية في مجالات التراث.
ان بناء الحضارة الانسانية يتطلب مفهوماً واسعاً وشاملاً لتجسيد الرؤية الزمنية للحدث في دائرة الزمان وباختلاف المكان والتراث جزء لا يتجزأ من التكوين المعنوي لكل انسان فمنذ البدء ونحن نعرف ان جذورنا هي التي تروي عطش المعرفة وتحلق بنا نحو الموروث الحضاري باشكاله المختلفة، ومزج الصورة بالكلمة فهو جزء أساسي من التوثيق التاريخي لذلك تقوم مؤسسة «التراث» بنشر العديد من الاصدارات المتخصصة من مطبوعات حول المملكة العربية السعودية كما تصدر مجموعات مختارة لمبان وعناصر تراثية على شكل بطاقات بريدية، بالاضافة الى المساهمات الثقافية كتنظيم المعارض والمناسبات الثقافية المختلفة من خلال تقديم الدعم الفني الكامل لاقامة معارض متخصصة او معارض خاصة بها.
الصورة لحظة خالدة..
تهتم مؤسسة التراث بالصورة القديمة والتوثيق التاريخي ايمانا منها ان الصورة هي لحظة خالدة للذكرى باقية لتجسيد قصص وحكايا واخبار للاجيال القادمة ولتبقى الصورة في الوجدان باقية منقوشة بزخرفة الماضي وبفسيفساء الحاضر لهذا انشأت مؤسسة التراث الارشيف الوطني للصور التاريخية في مكتبة الملك فهد الوطنية بهدف جمع الصور القديمة للمملكة العربية السعودية من مصادرها المختلفة ومعالجتها وحفظها واعداد نظام حاسب آلي متطور لتسهيل عمليات البحث والاسترجاع وليكون مرجعاً موثقاً لافادة الباحثين والدارسين والمهتمين بتاريخ المملكة، ولقد شمل نطاق العمل على جمع الصور القديمة للمملكة من مصادرها المعروفة والموثوق بها لدى مؤسسات وافراد من اماكن مختلفة من العالم لم يسبق البحث فيها عن مثل تلك القصور.
يبقى لنا ان نعيد الذاكرة مرة اخرى وان تدرك ان تكويننا الثقافي والمعرفي لايصقل بالتنقيب عن الحضارة من خلال تراثنا الاصيل ولتتذكر دائما ان التراث هو عين الزمن الحانية، التي تحنو بتوثيقها على ادراك الانسان لمفهوم الحضارة الانسانية.
|