* تونس - خاص:
شهدت الأراضي التونسية منذ اليوم الأول للتحول الذي قاده الرئيس زين العابدين بن علي مبادرات عمقت علاقة التونسي بهويته العربية الاسلامية وبدينه الحنيف. فشملت بعد تحول السابع من نوفمبر 1987 جانبا من جوانب المصالحة بين المجتمع التونسي وهويته التي سعى اليها الرئيس زين العابدين بن علي منذ فجر التغيير.
رفع الآذان في الإذاعة والتلفزيون، اعتماد الرؤية «مع الاستئناس بالحساب» لتحديد بداية كل شهر قمري ادراج التاريخ الهجري في الوثائق الرسمية جانب التاريخ الميلادي تلك هي بعض من المبادرات التي عجل باتخاذها الرئيس ابن علي في مطلع العهد الجديد.
وبالفعل، فخلف هذه الاجراءات والمبادرات كانت النية واضحة: رد الاعتبار الى الدين الاسلامي في ربوع هذا البلد الذي ظل عبر مختلف الأحقاب التاريخية محطة من المحطات المهمة في نشر الاسلام بشمال افريقيا والأندلس ومنارة من منارات العلم والاجتهاد في العالم الاسلامي بفضل اشعاع القيروان والزيتونة وقد كان تغيير السابع من نوفمبر واعياً بأهمية هذا البعد الاسلامي في الشخصية التونسية فلم يتردد في تأكيد هذا الجانب من هوية التونسي واتخاذ القرارات الكفيلة برعاية الدين وشؤونه، فكانت المصالحة وكانت العودة الى الأصل.
وقد سجل هذا التلاحم بين الدين والدولة في وثيقة «الميثاق الوطني» الذي يشكل الأرضية الفكرية والسياسية المشتركة بين كل الأحزاب والمنظمات والجمعيات في تونس. فقد نص الميثاق على ان الدولة التونسية ترعى حرمة القيم الاسلامية السمحة وتعمل بهدي منها وما ذلك إلا تأكيد لدستور البلاد الذي ينص صراحة على ان تونس دولة دينها الاسلام ولغتها العربية.
تعزيز مكانة الإسلام
وعملت تونس منذ 1987 على انجاز الاجراءات لتعزيز مكانة الاسلام الحنيف في مختلف المجالات والقطاعات.
وقد نال القطاع التربوي نصيبه من هذه الاجراءات باعتبار ان التربية من الدعامات الأساسية للحفاظ على الهوية العربية الاسلامية وترسيخ الوعي بها لدى الناشئة. فقد نص قانون اصلاح النظام التربوي الصادر في 29 يوليو 1989، ضمن مبادئه الأساسية، على الانتماء الحضاري العربي الاسلامي وجعل تنمية الشعور بهذا الانتماء احدى الغايات التي يرمي نظام التربية والتعليم الى تحقيقها.
أما على مستوى التعليم العالي فقد أعاد الرئيس زين العابدين بن علي الاعتبار الى «الزيتونة» فتحولت من كلية الى جامعة كبرى تتكامل فيها علوم المقاصد وعلوم الوسائل تخرج فيها طلبة متفتحون على مشاغل عصرهم ملمون بعلوم الدين وقادرون على طرق باب الاجتهاد، بعيداً عن التزمت والتقليد الأعمى. لذلك أدخلت في برامج جامعة الزيتونة مواد انسانية عصرية مثل التاريخ وعلم الاجتماع، كما أدرج في دروسها تعليم اللغات الأجنبية الحية. ولذلك أيضا تتوالى في رحاب هذه الجامعة الندوات والملتقيات العلمية المركزة على الاجتهاد والحوار والتسامح، بمشاركة أقطاب الفكر والدين من العالم الاسلامي ومن غير المسلمين.
وهكذا عادت الزيتونة الى سالف اشعاعها عندما كانت منارة في المغرب العربي يقصدها الطلاب من كل حدب وصوب ويتخرج منها كبار العلماء.
وكما عرفت الزيتونة عودة مجدها في عهد التغيير استعادت مدينة القيروان أول عواصم الاسلام في المغرب دورها في تنشيط حركة المعرفة الاسلامية، وكان ذلك خاصة بإنشاء مركز للدراسات الاسلامية بها وفي السياق نفسه، أحدث الرئيس ابن علي جائزة رئيس الجمهورية للدراسات الاسلامية تشجيعاً للاجتهاد ودفعاً للبحث العلمي في هذا المجال.
تشجيع.. وعناية مستمرة
ومن المظاهر الأخرى لعناية تونس بشؤون الدين اهتمامها بتحفيظ القرآن الكريم وذلك بتنظيم مسابقات لهذا الغرض على الأصعدة المحلية والجهوية والوطنية ورصد الجوائز القيمة للأطفال والشبان المتفوقين ويشهد شهر رمضان من كل عام قيام مثل هذه المسابقات في مختلف أنحاء البلاد وتتوج جميعها بتظاهرة وطنية كبرى.ويتجدد التشجيع على حفظ القرآن بمناسبة المولد النبوي الشريف، حيث تقدم الهدايا باسم رئيس الجمهورية الى التلاميذ، جرياً على عادة قديمة في تونس أحياها صانع التغيير وأعطاها أبعاداً جديدة كما أقر الرئيس زين العابدين بن علي تقليداً آخر يتمثل في تلاوة القرآن الكريم على مدار السنة، ودون انقطاع، في رحاب جامع الزيتونة.
ومع العناية بتحفيظ القرآن، شهدت المساجد والجوامع رعاية فائقة من قبل المعهد الجديد في تونس فارتفعت بيوت الله في كل المدن والقرى والأحياء وهي تحظى بالصيانة والتعهد اليومي من أجل ان تؤدي رسالتها الروحية على أحسن الوجوه.
وفي هذه الحركة المستعيدة للهوية العربية الاسلامية لم تنس تونس أبناءها في الخارج فدرجت منذ سنوات التحول الأولى على ابتعاث الأئمة والأساتذة المختصين في علوم الدين الى البلدان الأوروبية التي تعمل بها الجاليات التونسية وذلك بهدف تعميق ارتباط التونسيين المهاجرين بهويتهم العربية الاسلامية وتبصيرهم بتعاليم دينهم ومبادئه السمحة.وقد رافق هذه العناية بشؤون الدين تركيز العديد من الهياكل المشرفة على هذا الجانب الروحي من حياة المواطن والمنظمة لنشاطاته. وكان البدء بإعادة هيكلة المجلس الاسلامي الأعلى وتوسيع مشمولاته وتعزيزه بالكفاءات النيرة حتى يؤدي دوره كاملا كهيئة استشارية في كل ما يؤدي بشؤون الاسلام على المستوى الوطني.
كما شمل التغيير، منذ أيامه الأولى، ادارة الشعائر الدينية فألحقت بالوزارة الأولى ورفعت الى مستوى ادارة عامة في الشهر الذي تلا تحوّل السابع من نوفمبر 1987. وفي الذكرى الأولى للتغيير تطور هذا الجهاز الى كتابة دولة للشؤون الدينية وبعد أقل من ثلاث سنوات صارت كتابة الدولة وزارة.
أما على الصعيد الجهوي فقد أحدثت خطة معتمدة للشؤون الدينية في كل ولاية «محافظة» باعتبار ان الدولة هي الساهرة دون سواها على حماية الدين واحياء شعائره ورعاية شؤونه.
وتجتمع كل هذه الأعمال، وغيرها، في تمش واحد يهدف الى اعلاء كلمة الاسلام ومصالحة تونس مع هويتها العربية الاسلامية مع الحرص كما أكد ذلك الرئيس ابن علي نفسه على التشبث بالقيم والمبادىء السامية دون تعلق بالمظاهر والشكليات ورفض كل ما يخالف جوهر الاسلام وروحه الطاهرة ونبذ كل ما هو غريب عن أصالتنا الاسلامية التونسية.
|