من شمال إيطاليا وفي إحدى القواعد الأمريكية بعث وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد برسالة تطمين إلى الأسواق المالية الأمريكية التي بدأت تعاني من هبوط مؤشرات الأسهم كوضع طبيعي، إذ اعتاد المتعاملون في هذه الأسواق على انه كلما تصاعدت احتمالات الحرب في أي مكان يكون للولايات المتحدة الدور الرئيس فيها، فإن مؤشرات الأسهم تهبط.. وإذا ما تأكدت الحرب، تهبط أكثر.. وإذا ما استمرت طويلا فإنها تنهار!!
هذه الحتمية مبنية على معادلة لا تغادر فكر أي مستثمر أو متعامل مع الأوراق المالية، ولهذا فقد حاول وزير الدفاع الأمريكي ارسال رسالة تطمين إلى الأسواق والمتعاملين معها بقوله إن الحرب مع العراق إذا ما اندلعت فإنها ستنجز أهدافها في ستة أيام، وإذا ما استمرت فإنها لن تتجاوز ستة أسابيع، وانها حتما لن تستمر ستة أشهر!!
هذا القول وبغض النظر عن مصداقيته، فالحرب إذا ما اندلعت فلا أحد يعلم إلا الله متى تنتهي، ولكن وزير الدفاع أراد في هذا القول المساعدة على وقف التراجع في قيم الأسهم الأمريكية التي أصبح هبوطها يحقق خسائر كبيرة للأمريكيين الذين يتعاملون مع هذه الأسواق.
فالوزير الأمريكي لابد وانه يستذكر العديد من الأحداث والوقائع التي تركت تأثيرات سلبية وأخرى ايجابية على المسارات الاقتصادية في أمريكا في أوقات الحرب قبل اندلاعها وأثناءها وبعدها ففي عام 1991م عندما بدأ القصف على بغداد، فإن السوق الوحيد الذي كان مفتوحا في ذاك الوقت في الولايات المتحدة سوق شهادات الاستثمار في شيكاغو بدأ يهبط فوراً مع وصول التقارير الأولية غير المؤكدة، ولكن في غضون ساعات تغير كل شيء، بعد ان بشر الرئيس حينذاك، جورج بوش الأب بأنه «حسب التقارير الأولية من الجنرال شفارتسكوف فإن أعمالنا تتقدم وفقا للخطة».وقد غير بيان الرئيس الميل في الأسواق، سعر النفط هبط، والعقبة الأخيرة في وجه التطور الاقتصادي في التسعينيات أزيحت.
نمط الأحداث هذا، حسب المؤرخ جون ستيل بوردول، يتكرر في أوقات الحرب، وهو يقول: «انه بالطبع لا شيء تكرهه الأسواق أكثر من انعدام اليقين، والحرب هي أكثر الأمور التي تتميز بانعدام اليقين في أعمال البشر، وعليه فإن الأسواق تميل إلى الهبوط طالما كان خطر الحرب يحوم في السماء، ولكن إذا ما تبين ان الأمور تسير على نحو جيد، فإن الأسواق من شأنها ان تبدأ بالانتعاش بسرعة هائلة».
ولأن الأمريكيين بصورة عامة غير متيقنين في طول مدة الحرب، وعدم ثقة الاقتصاديين بحسمها في وقت مبكر فإن الاقتصاد الأمريكي يمكن اعتباره العدو الخفي للحرب التي يزمع شنها جماعة رامسفيلد الذي حاول تهدئة الاقتصاديين لتحيدهم على الأقل.
|