Monday 10th february,2003 11092العدد الأثنين 9 ,ذو الحجة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

مواقف من حرب العدوان على العراق -4- مواقف من حرب العدوان على العراق -4-
د. عبدالله الصالح العثيمين

كل يوم يمر تزداد نوايا الأمريكيين تجاه أمتنا وضوحاً، وتزداد افتراءات متبوعتها - بريطانيا - تكشفاً.. كان كل متابع للأحداث بتأمل يدرك أن الدولتين الأمريكية والبريطانية لا يمكن أن يتوقع منهما إلا إلحاق الأذى والضرر بهذه الأمة كيف لا وإحداهما هي التي سقت بذرة الكيان الصهيوني في فلسطين، وحنت على نبتة تلك البذرة حنو الأم على رضيعها، وثانيتهما هي التي رعت حق الرعاية ذلك الكيان، طفولةً ثم شباباً، حتى أصبح الحليف الاستراتيجي لها، المدرك لما يريد منها، والموجه الفعلي لكثير من تصرفاتها في المنطقة، وذلك بفضل نفوذ ممثليه من الصهاينة والمتفانين في خدمته من المسيحيين المتصهينيين في البلاد التي اصبحت عاد هذا الزمان، قوة واستكباراً وتجبراً وغطرسةً.
قبل ستة اشهر كتبت مقالة عنوانها:« امريكا تضرب خطأ». واشرت في تلك المقالة الى أنه قد اتضح للجميع أن من أعضاء لجنة التفتيش السابقة على أسلحة الدمار الشامل في العراق من كانوا في حقيقة الأمر جواسيس لأمريكا والكيان الصهيوني، وانه بدر من الحكومة العراقية ما يوحي باستعدادها لقبول لجنة تفتيش جديدة وفق برنامج واضح فعال، لكن هذا لم يرض أمريكا، التي أعلنت انها ستضرب العراق للإطاحة بحكومته.
وبعد كتابة تلك المقالة بشهر كتبت مقالة اخرى عنوانها:« ضاربة ضاربة فما الرد؟» وقد أشرت فيها إلى أن تحكُّم أمريكا في العالم معروف مداه منذ أن نجح رئيسها، روزفلت، في إنشاء منظمتين لهما أثر كبير في تيسير ذلك التحكم، وهما هيئة الأمم والبنك الدولي. فعن طريق الأولى فرضت إرادتها السياسية بحيث لا يوافق في مجلس الأمن التابع لتلك الهيئة على قضية من القضايا العالمية الا برضاها، حقاً او باطلا. وعن طريق الثانية فرضت إرادتها الاقتصادية الممهدة والمساعدة لفرض إرادتها السياسية بحيث يجب أن ينفذ اي بلد يأمل في فرض كل ما تمليه عليه من شروط. واشرت ايضاً إلى أن عدداً من أقطاب الإدارة الأمريكية صرحوا اخيراً بأن سماح الحكومة العراقية بعودة المفتشين لن يحول دون ضرب أمريكا للعراق.
فهي ضاربة له ضاربة على أي حال. وعللت ذلك بأن ضربه مما يسعد الكيان الصهيوني ويخدمه بالدرجة الأولى. واختتمت تلك المقالة بذكر أن تصريحات المسؤولين العرب بأنهم ضد ضرب العراق تصريحات متوقعة، لكن ماذا سيفعلون إذا وقعت الواقعة؟
ومرت الأيام والحشود الأمريكية والبريطانية تزداد كثافة في المنطقة تحضيراً لضرب العراق وإذا بتصريحات أعمدة الإدارة الأمريكية تتوالى بأن أمريكا ستستولي على آبار النفط العراقية لتتصرف فيها «بأمانة»، بل إن احدى تلك الأعمدة وهو وزير خارجية أمريكا قال قبل ايام: إن هدف أمريكا من الحرب ضد العراق إعادة تكوين المنطقة بما يخدم المصالح الأمريكية. ولا يمكن أن تكون هذه المصالح إلا منسجمة - بالدرجة الاولى - مع مصلحة الكيان الصهيوني المغتصب لفلسطين.
اما افتراءات بريطانيا فمخزية - لكن من فقد الحياء لا يمكن أن يشعر بخزي فلقد ذكرت الصحف البريطانية نفسها - صباح يوم السبت الماضي - ان جزءاً من التقرير الذي قدمه رئيس حكومة تلك الدولة عن وضع أسلحة الدمار الشامل في العراق اكتشف انه مقتبس من رسالة عملها طالب عراقي معارض يحمل الجنسية الأمريكية في إحدى جامعات الولايات المتحدة.
والحديث السابق اشبه ما يكون بمقدمة للاستمرار في كتابة هذه الحلقة الختامية لإيراد بعض المواقف من حرب العدوان على العراق. هناك أمور متصلة بهذه الحرب العدوانية تكشفت حقائقها. وهناك أمور أخرى مازال يكتنفها شيء من الغموض.
وبعض المواقف منها وضحت، وبعضها الآخر مازال قابلاً للتغير. لقد تكشف أن في مقدمة اهداف تلك الحرب السيطرة على آبار النفط في العراق وهذا يعني إعادة الاستعمار الغربي القديم لبلد عربي مسلم، لكن بشراسة أشد فظاعة، وزيادة تحكم أمريكي في أمور نفط المنطقة العربية، إنتاجاً، وتحديداً للاسعار. وبهذا التحكم يتحكم في إنتاج النفط العالمي واسعاره بدرجة كبيرة.
ومما لم يكشف حتى الآن لكاتب هذه السطور كيفية تلك الحرب العدوانية التي تنذر كل المؤشرات بأنها ستكون فظيعة جدا. كم من الأرواح البشرية ستزهق؟ وكم من البشر الأبرياء سيصبحون عالة جسدياً ومعيشياً؟ من الغباء أن يظن بأن الأمريكيين واعوانهم - وفي طليعتهم البريطانيون - سيكونون قادرين على الإمساك من يريدون الإمساك بمن أعمدة الحكم العراقي بمعجزة بمن المعجزات دون إهلاك الحرث والنسل من أبناء الشعب العراقي وبناته، شيوخه وشبابه، صحيح أن ميزان القوة بين المعتدين والمعتدى عليهم واضح كل الوضوح، لكن الدفاع عن النفس سيكون موجودا أياً كانت النتائج والأهوال.
ومما لم يتكشف حتى الآن لكاتب هذه السطور، ايضاً، كيف سيحكم الأمريكيون العراق لو استولوا عليه؟ كيف سيعاملون من تعاونوا معهم من العراقيين؟ وهل سيمنحون الاكراد - مثلاً - استقلالاً؟ انهم إن منحوهم ذلك رضيت عنهم حليفتهم الاستراتيجية، دولة الصهاينة التي وقفت مع الانفصاليين الأكراد، تدريبياً واستخباراتيا، لكن ذلك لن يرضي تركيا ذات التحالف العسكري حديثاً مع الدولة الصهيونية، التي توجد في اراضيها قواعد عسكرية امريكية مهمة. فاستقلال اكراد العراق يغري اكراد تركيا بمحاولة الاستقلال. ايتبع قادة أمريكا خطة هنري كيسنج بتقسيم المنطقة على اساس طائفي عرقي؟ ان تقسيم العراق - وربما تقسيم بلاد عربية اخرى - على ذلك الأساس الذي وضعه اليهودي الداهية امر محتمل الوقوع. وما صرح به احد القادة الأمريكيين قبل أيام من أن امريكا تهدف من حربها للعراق الى اعادة تكوين المنطقة بما يخدم المصالح الأمريكية يرجح أن خطة كيسنج ستوضع موضع التنفيذ وإن أدخل عليها بعض التغييرات التي تتطلبها الظروف المرحلية الراهنة.
وفي ظل هذه الغيوم المدلهمة بالكوارث ماهي مواقف الدولة المختلفة من العدوان الأمريكي البريطاني المتوقع على العراق؟
دول المنطقة، وبخاصة العربية منها، تأتي في آخر قائمة الدول ليس لأنها، موقعاً وإمكانات، غير ذات اهمية، بل لأنها فاقدة للإرادة بدرجة كبيرة. كل دول المنطقة، العربية وإيران وتركيا، تردد القول: انها ضد الحرب على العراق. لكن اكثرها واقفة عملياً مع من سيقومون بتلك الحرب. فبعضها ستنطلق من اراضيها، براً او جواً او كليهما، اقسام من قوات العدوان. ولا أحد يمكن ان يدعي بأن هذا يعد حياداً منها بين المعتدي والمعتدى عليه او منسجماً مع القول بمعارضتها للحرب.
وبعضها جعلت من أراضيها مركزاً لجماعات عراقية اعلنت انها ستتعاون مع المعتدين. ولا احد يمكن أن يدعي، ايضاً، ان هذا يعد حياداً منها او منطبقاً مع ما تدعيه من معارضة للحرب العدوانية.
اما الدول الاخرى ذات الاهمية الدولية الآن، وفي طليعتها الاوروبية، فمنقسمة. هناك دول اوروبا الشرقية - واهميتها اقل - دفعها - تطلعها المحموم للمساعدات الأمريكية إلى إعلان تأييدها للمعتدين واستعدادها للتعاون معهم. وإلى جانب تلك الدول ايطاليا التي حدد موقفها، فيما يبدو، ما اشتهر عن رئيس وزرائها من كره للمسلمين. ومن الواضح أن الدول التي اعلنت تأييدها للعدوان على العراق قد ادركت ان الدول العربية بالذات فاقدة للإرادة عاجزة عن التغلب على مشاعر الضعف التي كبلت حركتها على أن اكثرية شعوب تلك الدول - بل وأكثرية الشعب البريطاني نفسه - ضد مواقف زعاماتها.
لكن تحيا الديموقراطية التي تمثل فيها الحكومات شعوبها!.
وهناك دول اوروبية اخرى، وفي طليعتها فرنسا والمانيا، صرحت بأنها ضد الحرب على العراق. لكن هل ستبقى متمسكة بما صرحت به؟
هذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة ومثل هذا يمكن أن يقال عن الصين وروسيا ودول أخرى ومن ستحل بهم الكوارث نتيجة العدوان المرتقب هم العرب بعامة والشعب العراقي بخاصة، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved