تلجأ كثير من الدول ذات النمو الاقتصادي الأقل، والتي تطمح إلى تحقيق دفعة للنمو الاقتصادي الى اتخاذ إجراء تعويم العملة وتحرير أسعار الصرف لديها، ويصنف ذلك كأحد الحلول والمتطلبات المقترحة من قبل الحكومات ذات الاقتصاديات الكبرى وايضا البنوك المركزية المحلية كقرار داخلي او ما يفرضه او يطالب به صندوق النقد الدولي والبنك الدولي كأحد أهم الشروط لمنح القروض لهذه الدول، وايضا في تحديد التصنيف الاقتصادي لهذه الدول مقارنة ببقية دول العالم اقتصادياً، وتلجأ الدول لهذه الخطوة في غالبها مضطرة وحسب ما تمليه الظروف الاقتصادية الراهنة لما في ذلك من تأثير على مستوى الأسعار للسلع الاستهلاكية بالزيادة نسبة الى زيادة تكلفة الاستيراد بسبب انخفاض العملة الذي يتبع التعويم وبالتالي التضخم للسلع المستوردة وزيادة تكلفة المعيشة للمواطنين.
وتحرير العملة له من الايجابيات والسلبيات التي يتم تقديرها من قبل الدولة في سياساتها المالية التي تتخذ، ولعل من أبرز الايجابيات التي تتم في هذا الجانب هو العمل على جذب وحفز الاستثمارات الاجنبية الى الانفاق المحلي، وضخ مزيد من رؤوس الأموال لدفع العملية الانتاجية وحفز الاقتصاد وتحقيق النمو، وهي تعطي رسالة للعالم وللمستثمرين ان هناك اصلاحاً اقتصادياً يتم تطبيقه وحقيقياً يتواكب مع متطلبات المستثمرين وشروط البنك والصندوق الدولي والدول الكبرى اقتصاديا .
كذلك تعويم العملة يؤدي الى تخفيض العملة وبالتالي التكلفة المحلية للسلع المصنعة للدول الناشئة صناعياً «كمصر وما تم من خفض مؤخراً للجنيه المصري مقابل الدولار»، فهذا يدفع الأسعار الى الخفض من خلال زيادة سعر الصرف للعملة المحلية مع كل عملية تصدير، ولعل أبرز ما سيتم في دولة «كمصر» ان السلع التي تنتج لديها سوف تعود عليها بعملة محلية اعلى من السابق حيث كان سعر الصرف السابق قبل التعويم يصل الى 35 ،4 او 40 ،4 مقابل كل دولار، وهو يبتعد عن سعر السوق السوداء وهي سياسة يتبعها البنك المصري للقضاء على السوق السوداء ولم تنجح كليا، وبعد التعويم وصل سعر الجنيه المصري الى 40 ،5 مقابل الدولار، وهو انخفاض للجنيه وصل الى 17%، وهذا الخفض في العملة بعد تحرير العملة دفع الاسعار الى الانخفاض وهي السلع القابلة للتصدير، وهو ما يعطي حافزا للاقتصاد الى تحقيق انخفاض في إنتاج السلع والخدمات التي تنتج محليا في غالبها، ولكن سيحدث العكس في السلع المحلية التي تعتمد على الخامات او المواد التي ستتورد حيث سيرتفع سعر صرف الدولار وهو ما يعني حدوث العكس في هذه الحالة.
تعويم العملة سيظهر القيمة الحقيقية والتقييم الموضوعي للعملة حيث ستخضع للعرض والطلب بدلا من الرفع الحكومي للسعر غير المتوازن مع الحالة الاقتصادية، وهو ما يطالب به كل مستثمر اجنبي او خارجي، حيث لن يتحقق أي حفز لجذب الاستثمارات الاجنبية بدون تحرير سعر الصرف للعملة، كذلك تعويم العملة سيقضي على أي سوق سوداء قد تظهر حيث سيكون المحك الرئيسي هو العرض والطلب وسيصل السعر للعملة بمرور الوقت الى مرحلة التقييم الحقيقي والسعر الحقيقي للبائع والمشتري وهو ما تم بالفعل كتطبيق للحالة بالسوق المصرية مؤخراً بعد تعويم العملة وهو ما قضى على مكاتب ومؤسسات الصرافة التي استنزفت السعر للجنيه المصري بما اثر على البنوك بعدم القدرة على تداول الجنيه بمعزل عن السوق السوداء التي يزيد لديها تقييم الدولار مقارنة بالجنيه.
كذلك سيكون هناك اثر مباشر للديون الخارجية ان وجدت وهي موجودة بأغلب الدول التي تعمل على تعويم عملتها وهنا مثال «مصر» فديونها الخارجية تتجاوز 30 مليار دولار مما يعني ارتفاع الدين نسبة الى خفض الجنيه بنفس نسبة التغير ما بين انخفاض الجنيه مقابل الدولار، ويزيد الدين بنفس مستوى الانخفاض للجنيه بطريقة عكسية، ولن يكون ذا اثر ملموس للدين المحلي نظرا للتداول بنفس العملة والتسعير بنفس العملة ايضا، وستقل موارد الدولة خاصة للدول التي تطبق الضرائب «كمصر» مما يعني ان الايراد الوارد حين يحول للدولار لسداد دين فإنه سيكون بأقل من قيمته في السابق.
حين اتخذت مصر «ولأي دولة غالباً» قرار تعويم العملة مما أدى مباشرة وخلال ساعتين من تطبيقه الى انحدار الجنيه بنسبة 17% ، فإن آراء الاقتصاديين تتباين بين مؤيد للخطوة ويراها قد تأخرت كثيراً، وطرف آخر معاكس يرفضها من حيث التوقيت غير المناسب، ويقصد بذلك الركود العالمي، والأزمة العراقية التي تلقي بظلالها على المنطقة، والى عدم وضوح القوانين والأنظمة والتشريعات التجارية، وانه سيحدث ارتباكاً بسوق العملات والمصارف، وقد يكون كلا الطرفين موضوعياً في طرحه، ولكن الأهم وضع ميزان بالأكثر تأثيرا وقياس مدى ايجابيته على الاقتصاد الوطني، مما يعني المضي قدماً بالأكثر اثرا وايجابية وهو الهدف النهائي على أي حال.
|