ربما تؤخر الولايات المتحدة حربها ضد العراق في ضوء الضغوط التي تمارسها الأمم المتحدة وأهم حلفاء الولايات المتحدة عليها، ولكن لا يمنع ذلك الناس حول العالم من الانشغال بالتحضير لتلك الحرب وما سيتلوها من كوارث؛ بعضهم يعد لها برهبة وفزع، والبعض الآخر بنوع من الحماسة والترقب.
أما على أرض المعركة فيبدو أن الأطراف المتصارعة قد أخذت أماكنها؛ فالمقاتلات الأمريكية تصل يوما بعد يوم إلى قواعدها المؤقتة في قطر، في الوقت الذي يقوم فيه العراقيون بشراء الأسلحة ويفكرون في أفضل الحلول إذا ما حانت الساعة؛ هل سيبقون في منازلهم أم يتوجهون إلى الخنادق الواقية من القنابل؟!
ربما تريد الولايات المتحدة إعطاء انطباع بأن الحرب أصبحت حتمية، حتى بالرغم من أن الرئيس بوش نفسه يعلن أنها ليست كذلك، ولكن ربما لتكون مثل «ورقة رعب» على حد وصف الناقد الأدبي الأمريكي بول فوسيل، والذي كتب الكثير عن فظائع وآلام الحروب، ولكن ما يزعج فوسيل في الوقت ذاته هو رؤية الأمة تسير وبهدوء نحو التحضير إلى شيء مأسوي ومفزع مثل خوض حرب، ويقول: «لا أستطيع أن أصدق أن ذلك يحدث، التفسير الوحيد هو أن يكون ذلك نوعا من الخيالات، أو فقط محاولات لإخافة الجانب الآخر».
ولكن في المقابل يرى المؤرخ العسكري البريطاني السير جون كيجان الحرب أنها «سوف تكون أكثر فزعا وتشويشا إذا لم تستعد لها»، وحول العالم من واشنطن إلى لندن والكثير من المناطق الأخرى أصبحت قضية توقع آثار الحرب وكيف سيجري ذلك القتال الأخطر في تاريخ أمريكا منذ حرب فيتنام موضع شغف وبحث شديدين، وفي الأمم المتحدة والمؤسسات الإغاثية الخاصة شمر عمال المساعدات الإنسانية عن ساعد الجد استعدادا لفترة ما بعد الحرب.
وقد تم تسريب تقرير للأمم المتحدة يقيم «السيناريوهات المتوقعة فيما يتعلق بالمساعدات الإنسانية» في الشهرالماضي، والذي تنبأ بأنه سوف يكون هناك أكثر من نصف مليون عراقي سيحتاجون إلى عناية طبية من جراء الجراح الناجمة عن القصف والمسؤولون الأمريكيون بصدد صياغة رؤى استراتيجية جديدة للشرق الأوسط، تعد إحداها بتقديم المزيد فيما يتعلق بترويج الديموقراطية، ربما لكي تبرر نداءات الولايات المتحدة بتغيير النظام في العراق.
ويرى خبراء آخرون في حملة الولايات المتحدة ضد الرئيس العراقي صدام حسين على أنها دليل بأن الولايات المتحدة قد بدأت الاعتقاد بأنها أصبحت تقود «امبراطورية»، كما يروق لبعض الدول المهتمة بالشرق الأوسط فكرة إطاحة الولايات المتحدة بصدام حسين، ومحاولات إعادة اكتشاف الدولة الشرق أوسطية الوحيدة التي حباها الله بنعمتي البترول وكثافة سكانية كبيرة ومتعلمة في الوقت ذاته، وقد تحرك العراقيون في المنفى من أجل إيجاد دور لهم في حكومة العراق «المحررة» بعدصدام حسين، وحتى بالرغم من هذا الاهتمام العالمي، فيقول البعض ان تلك المناقشات ليست كافية بعد؛ فيقول وليام نوردس أستاذ الاقتصاد بجامعة ييل ان الإدارة الأمريكية قد أخطأت لأنها لم تضع في اعتبارها بصورة موضحة على كافة المستويات الآثار الاقتصادية لهذه الحرب.
وفي عدد صدر مؤخرا من دورية «نيويورك بوك ريفيو» قدر نوردس أن الحرب ضد العراق وإعادة إعمارها بعد ذلك سوف يتكلف على الأقل ما يتراوح بين 120 مليار إلى 6 ،1 تريليون دولار، ويتوقف ذلك على إذا ما سارت الحرب كما تتمنى الولايات المتحدة أم لا.
وفي هذا السياق أشار البروفيسور نوردس إلى أن تكلفة حرب الخليج عام 1991 قياسا بسعر الدولار عام 2002 كانت ما يقرب من 80 مليار دولار، وقد كتب نوردس والذي كان عضوا في لجنة المستشارين الاقتصاديين لإدارة الرئيس كارتر: «إن إدارة الرئيس بوش لم تفصح للشعب عن التقديرات الحقيقية لتكاليف الحرب المرتقبة؛ فالشعب والكونجرس لا يستطيعون إعطاء أحكام مبنية على معلومات عن التكاليف الحقيقية والمكاسب طالما أن الإدارة لم تعلن عن شيء من ذلك».
ولكن في المقابل لا يبدو أن هناك نقصاً في المناظرات الخاصة بتداعيات استراتيجيات الحرب، فيقول أندرو باسيفيتش أستاذ العلاقات الدولية بجامعة بوسطن: «لقد حان الوقت لنا كأمريكيين أن نعترف بحقيقة أن الولايات المتحدة أصبحت تترأس مملكة لها طابعها الخاص، وهدف هذه الامبراطورية هو المحافظة على الحرية الأمريكية والرخاء وزيادتهما، وأحد تلك الطرق عن طريق ترويج الديموقراطية العلمانية وتحرير الأسواق العالمية».
وقد صرح باسيفيتش للمشاركين في مؤتمر عقد الأسبوع الماضي في جامعة بار إيلان بتل أبيب أن حملة الولايات المتحدة يمكن اعتبارها بأنها «حرب من أجل مد جسور القوة الأمريكية لتحويل العراق إلى أول دولة عربية ديموقراطية، وبالتالي تعزيز مصالح الامبراطورية الأمريكية»!!! وقد وافقه ريتشارد هاس مدير تخطيط السياسات بوزارة الخارجية الأمريكية، ولكن بألفاظ أقل امبريالية في أثناء حديثه في مؤتمر في واشنطن في أوائل ديسمبر الماضي قائلا: «بتحرير الشعب العراقي من ثقل القمع، فإن العراقيين سوف يتمكنون من المشاركة في تقدم ورخاء عصرنا الحالي».
وأضاف هاس: «إن جهود الولايات المتحدة لترويج الديموقراطية خلال العالم الإسلامي كانت ناقصة ومبتورة في بعض الأوقات ولم تكن كاملة لخدمة المصالح الأخرى للولايات المتحدة مثل الحفاظ على استمرارية إمدادات البترول، ولكن هذا «الاستثناء الديموقراطي» يجب أن ينتهي»، أما بالنسبة للسيد فوسيل الأستاذ الفخري بجامعة بنسيلفانيا فإن أعظم الأخطار في هرولة الولايات المتحدة نحو الحرب هو غياب النقد لتلك الأدلة التي دفعت إلى كل ذلك التحضير، وأضاف: «لقد أصبحت فجأة الوطنية الطائشة موضة بين الجميع».
ويضيف ان هناك عاملا آخر وهو جهل معظم الأمريكيين لطبيعة الحرب، «إنهم لا يدرون ماذا تعني الحرب؛ إنهم يعتقدون أن الحرب تعني توجيه الطائرات التي تزمجر فوق بعض المزارعين الجهلة، ثم يأملون في أن تسير الأمور على ما يرام بعد ذلك».
ويقول السيد كيجان المحرر العسكري لصحيفة الديلي تليجراف اليومية انه «يتشكك في الناس الذين يتحدثون عن العواقب غير العسكرية» للحرب، ويضيف: «إن مشكلة الجماعات المناهضة للحروب هي أنهم يحاولون أن يثبتوا وجهة نظرهم بافتراض أن هناك تكاليف باهظة للحروب.. ولكنهم لا يعلمون شيئا أكثر مما أعلمه أنا وأنت»، وأضاف: «وهناك أحد المؤيدين للإطاحة بنظام صدام حسين، لم تهزه مخاوف وقوع العديد من الضحايا أو الكوارث البيئية أو التكاليف الباهظة للحرب، ولكنه يظن أن الحرب سوف تنتهي سريعا سريعا بدون أي دمار أو قتل».
(*) خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» - خاص ب«الجزيرة»
|