* بيتر فورد (*) :
في الوقت الذي تتسارع فيه دقات طبول الحرب، تتزايد المخاوف في بعض الدوائر من أننا قد قمنا بإغفال الحل السلمي، فهل يمكن أن تستفيد الولايات المتحدة من بوادر علامات السخط الشعبي لتقوم بالإطاحة بصدام حسين والتخلص من أسلحة الدمار الشامل العراقية، وبتكاليف أقل بكثير من الدماء والأموال؟ هل تستطيع جهود الولايات المتحدة إشعال انتفاضة شعبية مثل تلك التي قضت على الرئيس اليوغسلافي سلوبودان ميلوسوفيتش في عام 2000؟
يقول بيتر أكرمان والذي قام بعمل سرد تاريخي في كتابه للثورات السلمية حول العالم بعنوان «قوة أكثر تأثيرا»: «إن أهم عامل هو أن نكتشف كيفية جعل الشعب العراقي لا يمكن أن يسيطر عليه أحد؛ وهذا يمكن فعله؛ ولنبدأ بأن يقوم الشعب بالتعبير عن العصيان». ويؤكد أكرمان على أن الوقت لم يفت بعد، والخيارات الأخرى للحرب أقل دموية.
ويضيف ليث قبة من المجلس الوطني العراقي وهي جماعة معارضة عراقية بها كثير من المتخصصين الذين يهدفون إلى التركيز على مستقبل العراق ومقرها واشنطن : «كانت هناك احتمالات قوية للغاية لكي ندعم المعارضة الديموقراطية لصدام حسين، ولكن تم تجاهلها».
وبالفعل يقول معظم الخبراء إن إدارة الرئيس بوش الآن أصبحت قريبة جدا من طريق التدخل العسكري في العراق، كما أنها في الوقت ذاته قلقة للغاية من الإرهاب لذا لا تستطيع تبني خيارات سلمية يمكن أن تستغرق سنوات لجني ثمارها، وطالما افتقر العراق إلى تلك المكونات الأساسية، والتي يمكن أن تجعل من الانتفاضة الشعبية ناجحة في أي مكان آخر: حرية الخطابة، منظمات أهلية، أحزاب معارضة سياسية.
ويقول تشارلز تريب، الخبير في شؤون العراق بكلية الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن: «إني أرى فرصة ضئيلة للغاية للمقاومة الديموقراطية في أن تنشأ في ظل نظام قمعي للغاية مثل نظام صدام حسين، إن الناس يعلمون الثمن الذي سيدفعونه جراء القيام بأي عصيان مدني على الملأ؛ فمجرد التجمع من أجل المحاولة للإطاحة بنظام صدام حسين سوف يكون بمثابة انتحار».
وقد حدثت مرة واحدة فقط أن تعرضت حكومة صدام حسين إلى الغضب الشعبي، ففي عام 1991 عندما انسحبت فيه القوات العراقية بصورة فوضوية من الكويت قبل الهجوم بقيادة الولايات المتحدة، قام الأكراد في شمال العراق والمسلمون الشيعة في الجنوب بالثورة بشراسة للانتقام من مسؤولي النظام، وتم قمع المظاهرة قمعا دمويا، وقد أصيب العراقيون بالفزع عندما وجدوا أن الرئيس بوش الأب، والذي شجعهم على المقاومة، لم يفعل شيئا لمساعدتهم على هذا العصيان، وبعد ذلك فرضت كل من الولايات المتحدة وإنجلترا وفرنسا مناطق حظر الطيران، والتي سمحت للأكراد بإنشاء منطقة ذات حكم ذاتي بعد ذلك.
وقد أدى ذلك إلى خلق «مزيد من الهواجس» بشأن نوايا الولايات المتحدة، كما يقول فالح جابر، العالم العراقي في جامعة لندن، وحذر قائلا: «هؤلاء الذين اشتركوا في أحداث 1991 ربما لن يتحركوا اليوم حتى يتأكدوا من أن الأمر جد هذه المرة».
ولكن يقول أكرمان ان الهجمات على المسؤولين العراقيين كانت «الاستراتيجية الخاطئة تماما»، فقد أدت تلك الانتفاضة إلى تهديد قوات الأمن الذين أصبحوا بالتالي أكثر اعتمادا على صدام حسين لحماية أنفسهم، وفي المقابل يفضل أكرمان حملة شعبية موسعة من الإضرابات والطرق السلمية الأخرى التي تستطيع أن تخلق سلسلة من ردود الفعل وتكسر حاجز الخوف.
وفي الأسابيع الماضية كانت هناك تقارير تشير إلى محاولات سرية للاضطرابات، بما في ذلك بعض الكتابات والشعارات على جدران المباني وتماثيل صدام حسين.
ويتذكر إسماعيل زائر الناشط العراقي في هولندا مظاهرة حدثت مؤخرا من البائعين في سوق بغداد، والذين طالبوا بإلغاء القرارات التي تجبرهم بتغيير العملة في المكاتب التابعة لعدي ابن صدام حسين، وساروا باتجاه وزارة التجارة.
وأضاف: «على الأقل لم تطلق عليهم قوات الأمن النيران بغرض قتلهم»، ويضيف أن النظام العراقي لا يحظى بشعبية على الإطلاق، كما أن قوات الأمن لا تستطيع دخول بعض مناطق العاصمة العراقية بغداد في أثناء الليل.
وفي أكتوبر الماضي قام رجال ونساء عراقيون غاضبون بمظاهرة في خارج المكاتب الحكومية في بغداد، مطالبين بمعرفة مصير أقاربهم الذين لم يظهروا من السجون بعد العفو العراقي العام.
وقد أشار تقرير صادر عن مجموعة الأزمات الدولية وهي مؤسسة أبحاث للسياسات الخارجية أن العراقيين أصبحوا أكثر رغبة عن ذي قبل في مناقشة توجههم تجاه النظام، واقترح التقرير أن «هذه الحقيقة وحدها تعد مؤشرا قويا على تقلص قدرة النظام على زرع الخوف في القلوب».
وبعض المعارضين لصدام حسين يرون أن الخطر الوشيك لغزو الولايات المتحدة للعراق قد أفقد السلطة قبضتها على البلاد.
ويقول السيد زائر: «إن ذلك يساعد كثيرا، فالمسؤولون الأمنيون لا يريدون أن يكونوا أعداء الشعب إذا ما دخل الأمريكيون».
ولكن آخرون قلقون من أن تؤدي الخطط الأمريكية إلى عرقلة الجهود المحلية لتنظيم مقاومة شعبية، كما يقول د. جابر: «إذا جاء الأمريكيون، فلماذا نتحمل مشقة التضحية بأنفسنا؟ لذا فإن الغزو سوف يكون بمثابة الحبوب المنومة التي سوف تخدر تحركات الشعب العراقي».
ولكن على أي حال فإن تصور حجم التحرك الشعبي وقدرته على الظهور في العراق ليس بالشيء الهين، فتقرير مجموعة الأزمات الدولية وجد أن «قمع النظام العراقي قد سحق المجتمع المدني وجميع صور استقلالية المنظمات السياسية، وكانت النتيجة هي جهل سياسي وشعب مريض باللامبالاة».
ويقول د. تريب: «المشكلة هي أنه بإظهار أي صورة من صور العصيان فإنك بذلك تكون قد انتقلت من خانة الانصياع التام إلى خانة العصيان التام» مع كل المخاطر التي تنطوي عليها، وجماعات المساعدات الديموقراطية الأمريكية التي ساعدت كلاً من يوغسلافيا وشيلي لم يجدوا طريقا للعمل في العراق.
وتتساءل ليزلي كامبل مديرة برامج الشرق الأوسط للمعهد القومي الديموقراطي: «إننا نريد بالفعل أن نعمل مع الديموقراطيين المحليين في العراق، ولكن أين نجدهم؟ فلم تظهر على الإطلاق أي نافذة للعمل داخل العراق».
وفي الوقت الذي قامت فيه الولايات المتحدة بتشجيع جماعات المعارضة المدنية والسياسية في كل مكان، كانت تتخذ مسارا مختلفا في العراق، فمنذ عام 1991
ركزت جهود الولايات المتحدة بصفة أساسية على الحل العسكري أو الانقلاب، وقد فشلت محاولة انقلاب بدعم من الولايات المتحدة في عام 1996 عندما استطاع البوليس السري العراقي اختراق المجموعة التي خططت للانقلاب، وفي عام 1998 في شهادة لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت أمام الكونجرس قالت انه سوف يكون «من الخطأ أن نعتمد على توقعات خاطئة أو غير دائمة» في إشارة إلى دعم الولايات المتحدة للمعارضة العراقية المنقسمة على نفسها وما يمكن أن تحققه، وفي الخريف الماضي وافق الكونجرس الأمريكي على وثيقة تحريرالعراق، وجعلها من ضمن السياسة الرسمية الأمريكية «للإطاحة بالنظام الذي يرأسه صدام حسين من الحكم في العراق، ولتشجيع ظهور حكومة ديموقراطية»، وخصص الكونجرس مبلغ خمسة ملايين دولار لمساعدة جماعات المعارضة العراقية، وخمسة ملايين دولار أخرى لراديو العراق الحرة، والذي بدأ بثه في عام 1998 من العاصمة التشيكية براغ.
وفي الوقت الذي يتزايد فيه عدد القوات الأمريكية والبريطانية، يقول بعض المراقبين ان الوقت الآن أصبح مناسبا لحدوث انقلاب من بين مساعدي صدام حسين نفسه، والحرب النفسية يجري الإعداد لها الآن؛ فالولايات المتحدة ترسل رسائل بريد إليكتروني إلى الجنرالات العراقيين تهددهم بأنهم سوف يواجهون تهما تتعلق بجرائم الحرب إذا ما استخدموا الأسلحة الكيماوية، كما تقوم بإسقاط المنشورات التي تحث فيها الجنود العراقيين بألا يطلقوا النيران على الطائرات الأمريكية.
ويقول د. تريب: «وبوضع الأمريكيين الآن في حالة التأهب للغزو تزايدت احتمالات أن تتقوى الدوافع لدى الدائرة الداخلية المحيطة لصدام للإطاحة به»، ولكن لا يزال المؤيدون لحل المقاومة السلمية يعربون عن قلقهم من أن يكون الحل الوحيد لتغيير النظام في العراق هو حرب دموية أو عصيان مسلح من الضباط المقربين من صدام حسين.
ويقول جابر: «تحت السطح هناك مشاعر قوية تخفق، ويمكن أن تنفجر في أي لحظة، ولكن الشعب يضع الخيار العسكري الآن نصب عينيه، ونسوا أي شيء يتعلق بتركيبة المجتمع العراقي».
(*) خدمة كريستيان ساينس مونيتور - خاص ب«الجزيرة»
المفرج عنهم من السجون العراقية مؤخراً
|