لقد فجعت الأمة الإسلامية بوفاة علاّمة جليل، وعلم من أعلام الإسلام وإمام من أئمة السلفية الحقة، إنه فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن البسام عضو هيئة كبار العلماء، ورئيس محكمة التمييز بالمنطقة الغربية سابقا الذي توفي يوم الخميس 27/11/1423ه وصُلي عليه يوم الجمعة في المسجد الحرام.
لقد كان رحمه الله من البقية الباقية من علماء الأمة الأخيار الذي نشر العلم بصوته وقلمه، فكم ارتجت لصوته ارجاء الحرم المكي حين كان يلقي دروسه المستمرة فيه، التي ابتدأها رحمه الله من حين ما عُين قاضياً في مكة المكرمة عام (1374ه)، وكان قد افتتح دروسه بشرح لبلوغ المرام، الذي كان قد حفظه على شيخه العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي، قال رحمه الله عن نفسه: «وكنت أحد من حفظ الكتاب بلوغ المرام ولله الحمد، وكنت أكرر أحاديثه خشية النسيان، وأراجع على معانيه شرحه «سبل السلام».
ولم يكتفِ رحمه الله بتلك الدروس، وبذلك العطاء فحسب، بل ولج في غمار التأليف، فأثمر جهده الجبار عن مؤلفات جليلة نافعة، نفع الله بها طلبة العلم، وكان أول معرفتي بمؤلفاته عندما بدأت مطالعة كتابه توضيح الأحكام من بلوغ المرام الذي أفادني كثيرا ذلك الشرح النافع الوافي المختصر، الذي ينفع المبتدىء ويُذكر المنتهي، حيث تميز شرحه بالدقة في التحرير والترتيب، مع الاختصار والإيجاز، كما توّجهُ بدرر من الفوائد، وزانه بما أودعه فيه من المسائل المستجدة التي يحتاج اليها في مثل هذا الزمان، وحرص رحمه الله على اطلاع القارىء في المسائل التي يتعرض لها إلى قرارات هيئة كبار العلماء، والقرارات التي تصدر من المجامع الفقهية، فجاء كتابه حقاً جديرا بالاهتمام، ومن مؤلفاته أيضا نيل المآرب في تهذيب شرح عمدة الطالب، الاختيارات الجلية في المسائل الخلافية، والفقه المختار من كلام الأخيار، وشرحه على العمدة المسمى (تيسير العلام).
وإن الناظر في كتبه رحمه الله ليعلم تواضعه الجم إذ كثيرا من ينقل عن العلماء المعاصرين له، الذين بعضهم من أقرانه، مما يُعطي قدوة حسنة لطلاب العلم من بعده، فهنيئاً لهذا العالم فهو وإن مات فهو حي بعلمه، وكما قال صلى الله عليه وسلم: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له». رواه مسلم.
وهنا وقفة: على كل من يقرأ في سيّر هؤلاء العلماء ان يعيد النظر في حاله، ماذا قدم لنفسه، وماذا قدم لأمته، وهل سيُذكر بعمله الصالح ومآثره الطيبة، أم أنه ممن ضيع وقته، وأفنى عمره بما لا فائدة له به.
وأخيراً: كيف لا تهتز الأفئدة فزعاً لفقده، ونحن في أشد الحاجة الى رجال مثله عرفوا بمتانة الدين، وتحلوا بمزايا الإخلاص.
|