فإنه من فضل الله ومنته أن جعل لعباده مواسم يتزودون فيها من الخير ويكثرون فيها من الأعمال الصالحة التي تقربهم إلى الله وتكون سبباً في تكفير سيئاتهم، ومن هذه المواسم عشر ذي الحجة، فقد ورد في فضلها أدلة عديدة من الكتاب والسنة، منها قوله سبحانه {الفجر وَلَيَالٍ عَشْرٍ} قال ابن عباس وغيره: المراد بها عشر ذي الحجة، وقوله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَات}، قال ابن عباس رضي الله عنهما: يراد بها أيام العشر، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال«مامن أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام- يعني أيام العشر- قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء» فيشرع للمسلم استقبال هذه الأيام المباركة بالتوبة الصادقة النصوح امتثالاً لأمره سبحانه: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، وعمارتها بالأعمال الصالحة التي تقربه إلى الله وترفع درجاته في الدنيا والآخرة، ومن الأعمال الصالحة:
1- المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها جماعة مع اخوانه المسلمين في بيوت الله، فهي سبب لتكفير الذنوب والحط من السيئات، قال عليه الصلاة والسلام«الصلوات الخمس والجمعة الى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن مالم تغش الكبائر» وتوعد الله سبحانه من غفل عنها وتساهل فيها بالوعيد الشديد، فقال في كتابه العزيز {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ}، وقال عز وجل: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال«من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولابرهان ولانجاة، وحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف».
2- أداء مناسك الحج والعمرة، وهي من أجل الأعمال الصالحة، قال عليه الصلاة والسلام «تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة» وثبت في الصحيح أنه قال عليه الصلاة والسلام«الحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة».
3- صوم هذه الأيام، أو مايتيسر منها، لدخوله في جنس الأعمال الصالحة، وثبت عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر».
4- الإكثار من التكبير والتحميد والتهليل، لحديث ابن عمر«فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد» وكذلك الإكثار من تلاوة كتاب الله مع تدبره وتعقله وإدراك مقاصده ومعانيه، فهو أفضل كتاب انزل على أفضل رسول في أفضل زمان وهو شهر رمضان في أفضل ليلة وهي ليلة القدر في أفضل بقعة وهي مكة المكرمة على أفضل لغة وهي لغة العرب.
5- شهود صلاة العيد تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم وامتثالاً لأمره، فقد ثبت من حديث أم عطية رضي الله عنها أنها قالت «أمرنا أن نخرج العواتق والحيّض في العيدين يشهدن الخير ودعوة المسلمين، ويعتزلن الحيّض المصلى» فإذا كان هذا في حق النساء وهن لسن من أهل الاجتماع فهو في حق الرجال من باب أولى.
6- نحر الأضاحي يوم العيد تقرباً إلى الله عز وجل واقتداء بالمصطفى صلى الله عليه وسلم، فالأضحية سنة مؤكدة لمن قدر عليها كما نص عليه كثير من أهل العلم.
7- الإكثار من اعمال الخير كالصدقة والبر وصلة الرحم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله ونحو ذلك من الأعمال الصالحة، نسأل الله سبحانه أن يوفقنا جميعاً لمرضاته وأن يجعلنا هداة مهتدين، كما نسأله سبحانه أن يوفق ولاة أمرنا لكل خير وأن ينصر بهم الحق وأهله، وأن ينصر الإسلام والمسلمين في كل مكان انه سميع مجيب، وصلى الله عليه وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد.
|