مر الليل ثقيل الخطى وكأنه على علم بما انتظره.. تلاه الفجر حثيث الخطى.. يبحر خيوط الشمس الناعسة.. انبلج الصبح اخيراً!!
فقد كاد ينفد صبري أو نفد.. هرعت إلى حديقة المنزل.. فذلك ما عهدت ان أفعله في كل صباح!
ركضت إلى متنفسي.. هناك حيث دوماً جالسة على حوض تلك الشجرة العملاقة.. والماء يصب في حوضها.. وأطيل المكوث لديها وكأني انتظر منها جملة شكر وامتنان.. بينما أنا جالسة بسلام.. وإذا بأفكار غريبة تطاردني.. وهواجيس هائمة تذهلني.. فاتساءل في قرارات نفسي لماذا كل هذا؟!؟.. هل لأني ملولة.. ولا أطيق تحمل الأوضاع الخاطئة؟!.. فتارة أقول ان ما أفعله هو الصحيح بعينه.. وبعد لحظات أقول اني لست في وعي هذا الخطأ الواضح!..
لقد غشاني التشتت وألمّ بي الضعف.. وأخذت أفكر وأفكر وأعدت شريط ذكرياتي إلى الوراء عليَّ أجد معنى جميلاً غير طفولتي التي بات الحنين يجتاحني إليها كل يوم ..فليتك أيها الشاعر الذي يحن إلى الشباب ان ترضى اعتراضي بهذا البيت:
ألا ليت الطفولة تعود يوماً
فأخبرها بما فعل الشبابُ
|
ولكني فوجئت بأن كل الطرق مسدودة في طريقي.. والأبواب موصدة في وجهي فماذا أفعل؟ هل أقف هكذا حائرة لا أدري أين اتجه وإلى أين سأمضي؟..
كلا.. انني لا أرضى بهذا مطلقاً.. ولن أقف هكذا مكتوفة الأيدي.. بدأت دقات القلب وخلجات الصدر بالاضطراب.. وبلغ بي الغضب مبلغه.. فقررت ان اتخطى الصعاب.. وان أهدم السدود.. واتجاوز الحدود.. وأغوص البحر ولو كان مخيفاً مليئاً بالكائنات المتوحشة.. وأمشي على الشوك لا أبالي بآلامي وآهاتي المتوجعة.
آه.. فالحياة بأكملها عناء لا ينقطع.. وتعب لا راحة فيه يبدأ بفتح العين عند الولادة.. وينتهي بتوقف القلب عند الوفاة.. فهي في مجملها تدور حول سلسلة متصلة من الأحداث المؤلمة.. والذكريات الحزينة.. ما إن تنتهي مشكلة حتى تليها أخرى وهكذا دواليك.. وفي أثناء استماعي لخرير الماء وإذا بشعور ينتابني من جديد فالحياة تسوء أمام ناظري بعد ان كانت بالأمس مشرقة.. التفت إلى يميني فإذا بمجموعة من القلوب السوداء تهجم على بقايا القلوب البيضاء المشرقة.. وتدور بينهما معركة حامية الوطيس.. تنتهي بانتصار القلوب السوداء.
والتفت إلى يساري فرأيت أشواكاً قد حلت محل الأزهار.. واتطلع ببصري إلى السماء فإذا بالشمس وأشعتها قد حجبت بسحب سوداء داكنة.
فانطلق لساني مخاطباً ذاكرتي.. كفى وأما لك سوى هذه النظرة المتشائمة.. أكل كلامك عن الجانب السلبي؟!.. إنك تتحدثين عن الحزن والألم واليأس وكأنك لم تسمعي قول الله تعالى: {وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} عندما اتجهت إلى ذاكرتي وأمرتها ان تأتيني بمعنى جميل ولو كان في ذلك تلفاً لها.. وأخيراً وبعد الحاحي عليها.. أخبرتني ان هناك قلوبنا يحيا الخير فيها.. ويسكن الحب الصادق قلوبها.. والضمير مستيقظ فيها.. والعقل الراجح يديرها.. واخبرتني ان الأمل لن يتلاشى.. والظلام الدامس في عمق الشمس سيأتي يوماً ويشع بنور الشمس الساطع.
لقد حاولت ان أرى البشر والحياة بشكل آخر غير الذي أراه ما استطعت صبراً.. نزف جرحي.. تأججت مقلتي.. تزعزع ثباتي.. ولكن كلما تذكرت انني استطعت ان أضع في داخلي بمعونة من خالقي نفساً طيبة تحب للبشر كل الخير.. وتحمل في طياتها كل المعاني الجميلة.. في زمن طغت فيه المادة والظلم والانانية والمصالح. حمدت الله كثيراً.. انني مازلت انتظر موقداً نارياً ووجهي للقمر..
فلولا الأمل بالله لما طال بنا الصبر
* شيء في الوجدان: تستقر عيناي على شمس الفجر فانظر إلى قرصها الصافي الواضح.. فأقول في نفسي:
ليت رفيق دربي يكون مثلك يا شمس الفجر!!
|