الكعبةُ الغَرَّاءُ بَيْنَ حَجيجِهَا
نُورٌ وَتَحْتَ ظِلاَلِهِا رُكْبَانُ
تَتَقَطَّعُ الأَيَّام مِنْ أَحْدَاثِهَا
وَحَجيجُهَا مُتوَاصِلٌ رَيَّانُ
أجْرَى لَهَا الرَّحْمَنُ زَمْزَمَ آيَةً
فَاْبتَلَّتِ السَّاحاتُ وَالأَزْمَانُ
وَجَرَى بِكَلِّ عُرُوقِهَا مِنْهُ هَوَىً
وَصَفَتْ على جَنَبَاتِهَا الغُدْرَانُ
رُدَّي عَليِّ مِنَ الهَوى وَحَنَانِهِ
كَمْ كَانَ يَحْلُو مِنْ هواَكِ حَنَانُ
تَمْضِينَ وَالأَيَّامُ تَنْثُرُ وُدَّهَا
طِيباً فَتَنْفُضُ عِطْرَهَا الأَرْدَانُ
أمَقَامَ إِبْرَاهِيمَ، وَالبَيْتُ العَتِي
قُ هُدىً وَآياتٌ لَهُ وَبَيانُ
الطَّائفُون الرَّاكِعُونَ لِرَبِّهِمْ
خَفَقَتْ قُلُوبُهُمُ وَضَجَّ لِسَانُ
تَتَزاحَمُ الأَقْدَامُ في سَاحَاتِهِ
وَتَرِفُّ بَيْنَ ظِلالِهِ الأَبْدَانُ
وَمِنَىْ صَدَى رَبَواِتهِا التَّوْحِيدُ وَالتْ
تَّكْبيرُ وَالإخْباتُ وَالإذْعَانُ
عَرَفَاتُ سَاحَاتٌ تَضِجُّ وَرَحْمَةٌ
تَغْشَى وَدَمْعٌ بَيْنَهَا هَتَّانُ
لَبَّيْكَ يَا اللَّهُ! وَانْطَلَقَتْ بِهَا
رُسُلٌ وَفَوَّحَتِ الرُّبَى وَجِنَانُ
لَبَّيكَ والدُّنْيَا صَدىً والأُفْقُ يَرْ
جِعُهَا نَدىُ يَبْتَلُّ مَنْهُ جَنَانُ
لَبَّيْكَ وَحْدَكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ الرِّضَا
اَلخيرُ مِنْكَ بِبَابِكَ الإِحْسَانُ
لَبَّيْكَ، والْتَفَتَ الفُؤادُ وَدَارَت الْ
عَيْنَانِ وَانْفَلَتَتْ لَهَا الأَشْجَانُ
دَقَّتْ قَوَارِعُها الدِّيَارَ فَزُلْزِلَتْ
تَحْتَ الخُطَى الأرْبَاضُ وَالأرْكانُ
جَمَعتْ مَرَامِيهِ البلادَ فَمَشْرِقٌ
غَافٍ وَغَرْبٌ لَفَّهُ النِّسْيانُ
أَيْنَ الحَجِيجُ! وكُلُّ قَلْبٍ ضَارِعٌ
وَمَشَارِفُ الدُّنْيَا لَهُ آذَانُ
نَزَعُوا عَنِ السَّاحَاتِ وَانْطَلَقَتْ بِهِمْ
سُبُلٌ وَفَرَّقَ جَمْعَهُمْ بُلْدَانُ
وَطَوَتْهُمُ الدُّنْيَا بِكُلِّ ضَجيجِهَا
وَهَوَىً يُمَزِّقُ شَمْلَهُمْ وَهَوَانُ
وَمَضَى الحَجِيجُ كَأنَّهُ مَا ضَمَّهُمْ
عَرفَاتُ أوْ حَرَمٌ لَهُ وَمَكَانُ
بِالأمْسِ كَمْ لَبَّوْا عَلى سَاحَاتِهِ
بِالأمسِ كم طَافُوا هُنَاك وَعَانُوا
عَرَفَاتُ سَاحَاتٌ يَمُوتُ بَهَا الصَّدَى
وتغِيبُ خَلْفَ بِطاحِهِ الوُدْيانُ
لَمْ يَبْقَ في عَرَفَاتِ إلاّ دَمْعَةٌ
سَقَطَتْ فَبَكَّتْ حَوْلَها الوُدْيَانُ
هي دَمْعَةُ الإسْلامِ يَلْمَعُ حَوْلَها
أمَلّ وتٌهْرَق بَيْنَها الأحْزَانُ
وتَلَفَّتَ الأقْصَى لِمَكَّّةَ لَوْعَةً
أَخْتَاهُ! تَنْهَشُ أَضْلُعِي الغِرْبَانُ
أخْتَاهُ! أَيْنَ المُسْلمُونَ وَحَشْدُهُمْ
أَيْنَ المَلايينُ الغُثَاءُ! أَهَانُوا؟
أُخْتَاهُ! وَانْقَطَعَتْ حِبَالُ نِدَائِهِ
وَاغْرَوْرَقَتْ مَنّ دَمْعِهِ الأَجْفَانُ
وَهَوَتْ مَعَاوِلُ كَيْ تَدُكَّ حِيَاضَهُ
وَهَوَتْ على أمْجَادِهِ الجُدْرَانُ
القِبْلَتَانِ مَرَابِعٌ مَوْصُوِلَةٌ
دَرَجَتْ عَلى سَاحَاتِهَا الفِتْيَانُ
القِبْلَتَانِ يَمُوجُ بَيُنَهُما الهُدَى
نُوراً وَيَخْشَعُ عِنْدَهُ الإِنسَانُ
القِبْلَتَانِ وكُلُّ رَابِيَةٍ لَها
حَرَمٌ وكُلُّ شِعَابِهِ أَكْنَانُ
يُهْدي الحَمامُ إلى الشِّعَافِ هَدِيلَهُ
وَيَرُدُّ جُنْحَيْهِ رِضَاً وَأَمَانُ
وَيَضُمُّ بَيْنَهُما ظِلاَلَ نُبُوَّةٍ
وَالْصَّاحِبَيْنَ فَطَابَ مِنْهُ مَكانُ
أكَتَائبَ الرَّحْمَنِ أَيْنَ رِسَالَةٌ
فَتَحَتْ قُلوبَ العَالَمِيْنَ فَدَانُوا
هَلاٌ أَعدْتِ إلى القُلوبِ يَقينَهَا
وَالبُشْرَياتُ نَوَاضِرٌ وَجِنَانُ
عَهْدٌ مَعَ الرَّحْمَنِ أوْفَى حَقَّهُ التْ
تَوْرَاةُ والإِنْجِيلُ وَالْقُرْآنُ
حَرَمْ يُبَارِكُهُ الإِله! رَحِيقُهُ
تَغْنَى بِهِ الذُّرُوَاتُ وَالوُدْيَانُ
حَرَمٌ تَحِنُّ لَهُ القُلوبُ وَيَرْتَوِي
عِنْدَ اللِّقَاءِ وَخَفْقِهِ الظَّمْآنُ
يَا أمَّةَ القُرْآنِ دَارُكِ حُلْوَةٌ
مَا طَوَّفَتْ ذِكْرَى وَهَاجَ حَنَانُ
مَغْنَاكِ مَنْثُورُ الأزَاهِر كُلُّها
عَبَقٌ إذا خَضِرَتُ بِهِ العِيدَانُ
لا أنْتَقِي مَنْ غَرْسٍ رَوْضِكِ زَهْرَةً
إِلاَّ وَكَانَ عَبيرَهَا الإِيمَانُ
يَشكْوُ! ويَشكْوُ كَلُّ مَنْ عَرَفَ الَهوى
أوْ هَاجَهُ مِنْ طَرْفِكِ الحِرْمَانُ
ذَبَلَتْ أَزَاهِرُهُ وَصَوَّح رَوْضُهُ
وَبَكَى على أطْلاَلِهِ السُّكَّانُ