Saturday 8th february,2003 11090العدد السبت 7 ,ذو الحجة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الروائي الأردني عبدالناصر رزق لـ«الجزيرة»: الروائي الأردني عبدالناصر رزق لـ«الجزيرة»:
النظام التقليدي هو من يحمل المسؤولية عن ضياع الأجيال الناشئة

* عمان - مؤيد أبوصبيح:
يحفل المشهد الروائي الأردني الحديث بالعديد من الأسماء التي أثبتت حضورا متميزاً فيه، ومن هذه الأسماء الروائي عبدالناصر رزق الذي أصدر مؤخرا روايته الأولى «أشباح الجياد»، وهو يعد الآن لإصدار عمله الروائي الثاني الذي يحمل عنوان «ليلة عيد الأضحى»، والروائي رزق عضو في رابطة الكتاب الأردنيين والاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب.. التقيناه وكان هذا الحوار:
* بطلك في روايتك أشباح الجياد، مغامرات فتى في الوطن.. وغربة في صعيد الفعل لماذا؟!
- أرى بأن اطلاق صفة مغامرات لا يعفو الحديث عن تلك الشخصية التي تناولتها في روايتي - لأنها تختزل شؤون تلك الشخصية وشجونها ومعاناتها وآلامها ومجمل تجربتها في الحياة في حيز ضيق يقلل من شأنها، ولا يفسح المجال واسعا لاعطاء تلك الشخصية حقها في أن تعبر عن تجربتها الوجودية. أقصد من حيث هي نفس شاعرة تكشف عن ذاتها من خلال ذاك الوجود.. أقصد الوجود المادي المحسوس المدرك بمحسوساتها وتجربتها النفسية.
إن بطلي في الرواية لا يعيش مغامرة تفتقر الى الفعل كما تفضلت. بل العكس تماما فهو ملتحم بمشكلته الوجودية التي هي كم هائل من الأسئلة بلا نهاية عن حقيقة تلك العلاقة التي كان يقرر أحيانا أنه مكره على قبولها شرط ألا تبقى كما هي، أقصد ان تتغير أو يتم تعديلها على نحو تصبح الحياة معها ممكنة، وإلا فالخيار الآخر هو الانتحار.
لقد كان نور الدين وهو الشخصية الرئيسية في روايتي في حالة نزاع وخلاف مع المجتمع والعالم واللذين وجدهما غارقين في الأوهام والقيم المزيفة. ولذلك اعتبر ان وعيه المفرط بتلك المشكلة إنما يقع في دائرة الفعل الجاد وليس الغربة عنه كما تفضلت - لنزع الأقنعة التي تخفي الوجه الحقيقي للقيم البالية والأفكار الميتة التي تسيّر حياة الناس وتقتل مواهبهم وتجفف ينابيع إنسانيهم.
* هناك رأي نقدي يقول: ان رواية أشباح الجياد مساحة من السرد والتحليل وغياب واضح للعناصر مثل الزمن الموظف لتقنيات السرد والتحليل.. هل هذا الحكم صحيح على إبداعك؟
- ما الزمن الذي تسألني عنه؟! إن كنت تقصد الزمن المتصل التصاعدي للحكاية ذاتها فاسمح لي ان أقول إنني لم أكن معنيا بذاك الفهم للزمان، ولن أكون كذلك في أي وقت من الأوقات.. إن سؤالك هذا يثير لدي جملة من التساؤلات أهمها أننا حين نتناول في الأدب والفن مسألة الزمان والمكان، لا ندري من أين حصلنا على المعرفة بتلك المسألة.. اتساءل هنا عن المصدر الذي حصلنا منه على فهمنا لها، أهو الدين أم الفلسفة أم العلوم أم الجسد والتاريخ والأسطورة.. إلخ من تلك الأمور التي حاولت أن تفهم تلك المسألة وتضع لها التصورات والقوانين؟!
تبدو المسألة شائكة، وغير قابلة للحل، إذ ان الأمر حال دون محاولتنا البحث عن فهم له بين سطور الأدب وضروب الفن والابداع يلوح قابلا للضياع والافلات من بين أصابعنا مثل قبضة من رمل، فلا المدارس النقدية قادرة على تحديد فهمها للأمر بصورة واضحة وقابلة للتطبيق ولا الكتاب أنفسهم مستعدون لأن يخضعوا كتاباتهم لرؤى محددة قادرة على توظيف الأمر توظيفاً عميقا من شأنه: تفكيك التعقيد القائم حول هذه المسألة.
أعود الى سؤالك فأقول ان الزمان ليس مجرد مقولة عقلية أو تصور مناقض للواقع المحسوس، أو ظلال لزمان فوق أرضي. انه بنظري مرتبط بالخبرة النفسية والحياتية للفرد، بمعنى انه الواقع النفسي الذي يحياه الناس ويخوضون أثناءه تجربتهم. وبذا فإن الحديث عن الفشل والشعور بالخيبة وضياع الأحلام وغياب الحرية، وتحليل ذلك كله ضمن حكاية، يفصح تلقائياً برأيي عن آنات الزمن ومراحله دون ان يضطر الروائي الى الوقوع في دائرة الالتباس بين العمل الابداعي والعمل التاريخي.
* هنالك تيار يقول: ان للرواية في الأردن ماضياً مجيداً.. لوجود غالب هلسا وتيسير السبول.. والآن أفق ملتبس في هذا الشأن. كيف تفهم هذا القول؟
- نعم، هناك روائيون أردنيون تشهد لهم الساحة الثقافية، ليس في الأردن فحسب بل في الوطن العربي أيضا، وعلى قلة عددهم إلا ان هنالك مبدعون في هذا المجال، كما هو في مجالات أخرى.. ولكن اسمح لي ألا أدعي القدرة على تقويم الآخرين، وأن أشير باحترام إلى العدد الكبير من الروائيين لدينا الآن، والى الكم الكبير من انتاجهم، فليس كل ما صدر ويصدر من روايات هو جيد، وليس هناك صفر على أية حال.. المهم أن يجد كل ذلك الاهتمام من ذوي الاختصاص وأن تجري غربلته لإبراز ما ينطوي فعلا على ابداع حقيقي أو ملامح تشير الى ذلك بنزاهة وبعيدا عن المحسوبيات والشلل، حيث ان كل شيء وحتى الابداع صار خاضعاً هنا لتلك النقيصة.. على الصحافة تقع مسؤولية كبيرة في هذا الجانب، وكذلك المؤسسات الرسمية وغير الرسمية المعنية بالتقويم والنشر وتزكية الابداعات المقدمة اليها من مختلف الكتاب.
* هل تعتقد ان الشكل الروائي يرتكز الى أسرار المجهول، بمعنى البحث بين سطور السرد؟!
- بعض المشاهد في روايتي ملغزة تنطوي في حقيقتها على مواقف قاسية مما يوجد في حياتنا عموما. وبعضها الآخر قصدت به أن يكون واضحا وصريحاً، وعلى تلك الدرجة من الوضوح السافر والصراحة القاسية بحيث تكون صادمة وعنيفة ومفاجئة لأولئك الذين أريد تعريتهم بتلك الدرجة من القسوة. على ان مشاهد الكوابيس وأحلام الطفولة واسئلتها واحتجاجاتها المتناثرة عبر صفحات الرواية لتقول: ان فوق كل هذا العري وتلك الأسرار، عرياً آخر وأسراراً أكثر قد لا تتسع المساحات المتاحة للبوح لنشره فوق الصفحات البيضاء، لقد ارتأيت ان الصفحات قد أضحت سوداء بأكثر مما هو متاح لها أن تكون.
* الهزيمة أشد من القتل.. هذا ما وجدناه في روايتك «أشباح الجياد» ما تعليقك على هذا؟
- عندما أخذت في كتابة روايتي، قررت ان النظام التقليدي الذي يحكم مسيرة المجتمعات العربية ويحركها ضمن ما تقتضيه مصالحه، يتحمل كامل المسؤولية عن حالة الشعور بالفشل والضياع التي تعيشها الأجيال الشابة. فرحت من خلال شخوص روايتي أصب غضبي على الجدار الصلد من العادات والقيم البالية - وهو الجدار الذي أوجده المجتمع التقليدي كمحاولة أخيرة لحماية نفسه - فكانت عملية الاصطدام عملية قاسية ومؤلمة تفاقمت على أثرها المشكلة، وازداد أثرها ثقلا وقسوة على الشخوص الى درجة اليأس والشعور بعدم أهمية الحياة وتفضيل الموت عليها إن لم يكن بالفعل المقصود فكمدا وحسرة.
بتلك الصورة فقد تحول شخوص روايتي من دعاة تغيير الى أشباح تهيم في خضم الأحداث الكبيرة لوطنهم والعالم عاجزة عن الإتيان بشيء من شأنه أن يكون مؤثراً أو ذا قيمة. إن أحلام الجياد بمساحات شاسعة للجري قد صارت تضيق شيئا فشيئاً، بصورة كادت تخنقها..
إن ضياع الحرية بهذا المعنى هو رديف الموت.. أقصد الموت المعنوي حيث يهدم الآخرون أحلامك.
* ماذا عن جديدك الإبداعي؟
- هناك رواية أخرى «ليلة عيد الأضحى» وهي الآن قيد الطباعة، وهي تختلف عن روايتي الأولى من حيث الشكل والسياق الزمني مع احتفاظها بنفس المكان المحوري الذي شهد أحداث الرواية الأولى مدينة عمان، مع وجود اختراقات لأمكنة أخرى فرضتها الضرورة الدرامية لأمكنة فرضت علاقتها التاريخية على عمان. في الأولى وظفت الخيال ومخزون الذاكرة كمصدر للحكاية والأحداث، التي تجري حول شخصية محورية. أما في الثانية فهناك عدد كبير من الشخصيات يكاد معظمها ان يكون محورياً في اطار من أحداث ومشاهد تسردها الشخوص في هيئة عرض سينمائي محبوك بطريقة أعتقد أنها تفي ببناء رواية.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved