* القاهرة - مكتب الجزيرة - شريف صالح:
واصلت الاحتفالية الثقافية السعودية فعالياتها بمحاضرة للدكتور عبد العزيز السبيل استاذ اللغة العربية بجامعة الملك سعود بعنوان «مسيرة الشعر السعودي» استهل د.عبد العزيز السبيل اطلالته على مسيرة الشعر بدءاً من منتصف القرن التاسع عشر وهي الفترة التي مثلها البارودي رائد حركة الإحياء وما يوازيها في المملكة العربية السعودية ممثلاً في شاعر الجزيرة وهو أحمد بن مشرف، لافتاً لتأثر حركة الإحياء الشعري في السعودية بالحركة الإحيائية في مصر . واستعرض نماذج من إبداعات الشاعر السعودي أحمد بن مشرف الذي انطلق إحياؤه للشعر من العصر العباسي من حيث المقدمة الطللية مروراً بأغراض الشعر وصوره . ويلفت في هذا السياق إلى أن ابن مشرف كان سابقاً للبارودي في حركة الإحياء . كما استعرض الدكتور السبيل الصراع الفكري والمذهبي بين البارودي وشوقي ووصول أصدائها للجزيرة العربية وخاصة في الحجاز وما واكب ذلك من كتابات نقدية ومعارك خاضها العقاد، مثلما خاضها في السعودية محمد حسن عواد الذي يصفه بعقاد الجزيرة في قسوته وقوته ونقده للشعراء ومطالبته لهم بالتجديد فيه ولفت إلى الإشكالية بين التقليديين والتجدديين وكيف أن التقليديين في الحركة الشعرية كانوا يلبسون حديثهم عباءة الدين حتى يكتسبوا مصداقية وتأثير على جمهورهم . وأوضح أن خلاصة هذه المعارك في الواقع الشعري في كل من مصر والسعودية قد أفادت الشعر وأثبتت أن الشعر وادٍ لا ينضب تتفرع عنه الجداول الكلاسيكية والرومانسية والواقعية مما جعل هناك تعايشاً بين المدارس . ولم يفت د. السبيل الإشارة إلى تجربة المرأة السعودية في الإبداع الشعري في حقبة الستينات وكيف اضطرت المبدعات إلى كتابة أشعارهن دون اسمهن الصريح ارتباطاً بطبيعة المجتمع المحافظ والذي لا يجيز ان تبوح المرأة بعوالمها الدفينة كما انتقل د. السبيل لفترة التحديث الشعري في أواخر السبعينات وبداية الثمانينات والتي شهدت طفرة اقتصادية انعكست تأثيراتها على حركة المجتمع وإبداعه الأدبي وأنشطته الثقافية حيث شهدت مرحلة المد الحداثي بروز الرؤى الحديثة في الكتابات خاصة عند د. عبد الله الغذامي عبر كتابه «الخطيئة والتكفير» ليبدأ الصراع مجدداً بين الكلاسيكية والتجديد ولكن المجتمع الأدبي السعودي قد تجاوز مرحلة الصراع هذه نحو إفراز حالة وسطية ثقافية ولم تعد قضية الحداثة مشكلة مؤرقة . وتبرز حركةآ الشعر الحر التي يرى د. السبيل أنها سابقة على حركة الحداثة حيث يرجع تاريخها إلى الكتابة الشعرية في الثلاثينات حسبما يرى البعض أن محمد حسن عواد أول من كتب قصيدة الشعر الحر، ومن ثم فإن حركة الشعر الحر قد دخلت السعودية بهدوء ويعد «رسوم على الحائط) أول ديوان كامل للشعر الحر من حيث اللغة التي تخلت عن التقريرية والتصوير المباشر فيما توالت هذه القصائد في أشعار «علي الدميني» و«محمد الثبيتي»، و«إبراهيم صعابي» كما كان شعر المرأة السعودية حاضراً في المشهد الثقافي المحلي والإقليمي مثل أشعار «أشجان هندي» و«لطيفة قاري».
أما قصيدة النثر فقد دخلت المملكة السعودية متأخرة نسبياً عن باقي الدول العربية غير أن العشرين عاماً الأخيرة شهدت توسعاً في قصيدة النثر بالسعودية والذى يتبناها جيل من الأدباء ويرون أنها الأصلح لواقعنا الثقافي، وإن كانت «فوزية أبو خالد» أول من أبدع هذا النمط باعتبارها رائدة في هذا المجال.
في تعقيبه على المحاضرة أشار د. محمد بن عبد الرحمن الربيع إلى الخلاف بين التقليديين الكلاسيكيين والحداثيين تعلق بالخلاف في المضمون ومدى انسجام القصيدة مع الثوابت وعدم خروجها عن الأصول الدينية . أما قصيدة النثر فإني لا أتذوقها وبما يكون من حسنات حفظي لديوان المتنبي . وأضاف أن حركة النهضة في الجزيرة قد بدأت مبكرة عندما تعاهد الإمامان «محمد بن سعود»، «ومحمد بن عبد الوهاب» ونتج عنه أول مشروع نهضوي يقوم على أسس شرعية ووحدوية وهذا سابق بفترة النهضة الحديثة التي يؤرخ لها بالحملة الفرنسية متسائلاً كيف نؤرخ لهذه الفترة التي تبدأ بالاستعمار .
في رده على أسئلة الجمهور قال د.عبد العزيز السبيل إن الجانب الرومانسي مسيطر على شعراء قصيدة النثر السعودي وعلى المستوى النقدي فإنهم أيضاً لم يجدوا نقاداً يعبرون عنهم مما جعل قصيدة النثر في مأزق .
من جانبه أشار عبد الله الناصر الملحق الثقافي بسفارة خادم الحرمين الشريفين بلندن إلى تجاهل المحاضرة شاعراً سعودياً مهم يمثل مفصلاً في الشعر الكلاسيكي لكنه ايضاً حداثي منفرد ببؤسه في حياته وننساه في المحافل الثقافية وهو «حمد الحجي» .
وأضاف.. هناك ضبابية في حداثة الشعر السعودي مثلما هى حالة موجودة ايضاً في العالم العربي، موضحاً أن الملمين بالحداثة يرفضون استنادها إلى التركيز على العقل ورفضها للدين والغيبيات، والاشكالية هنا تكمن في الخلط بين التحديث الذي هو ضرورة من ضرورات الحياة، وبين الحداثة التي انتهت في بلادها وجاء بعدها .. ما بعد الحداثة وعقب د. السبيل قائلاً إن الحداثة دخلت العالم العربي بهدوء باعتبار أننا أخذنا جزءاً من مظهرها في الأدب ولم نأخذ فلسفتها .
|