إذا نشبت الحرب الجديدة بين الولايات المتحدة والعراق خلال الأسابيع القادمة، تكون فعلاً منطقة الشرق الأوسط قد خاضت فيما بين دولها، وبين دولها ودول خارجية أكثر من تسعة حروب رئيسية.. بدأت بالحربين العالميتين الأولى والثانية، ثم جاءت حرب «عام» النكبة، ثم حرب السويس، وحرب الأيام الستة، وحرب رمضان، والحرب العراقية الإيرانية، وحرب تحرير الكويت، ثم الحرب الحالية المتوقعة.. ناهيك عن حروب التحرير، والحروب الأهلية.. وحروب الحدود.. وهكذا فإن منطقة الشرق الأوسط دائماً هي منطقة متفجرة.. تعيش على الحروب وتترعرع فيها نزاعات لا حصر لها.. وهي اليوم كذلك مؤهلة لأن تدخل حرباً جديدة تزيد من انهاكها العام في كل أوجه التنمية ومناحي الحياة العصرية.. ومن المتوقع أن تأتي هذه الحرب كما فعلت سابقاتها على الفائض الاقتصادي، وتبعثر أوراق الاستقرار الاجتماعي والسياسي الذي تهيأ لكثير من دول المنطقة خلال السنوات الماضية.
وتتجه انظار العالم -من جديد - إلى منطقة الشرق الأوسط.. وإلى الولايات المتحدة الأمريكية والعراق مرة أخرى.. ويحبس العالم أنفاسه لينتظر ما تفضي إليه الأحداث من قرارات تؤدي إلى حرب أو لا حرب.. وهل يعيد التاريخ نفسه؟!.. وتنحسر آفاق الحلول السلمية إلى درجة اختناق تؤدي إلى الدخول في حرب جديدة في المنطقة.. هي الحرب الدولية التاسعة في الشرق الأوسط.. خلال العقود الماضية.. وهي حرب تأتي لتحقيق مجموعة أهداف استراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص. ويمكن اجمالاً تحديد ثلاثة أهداف رئيسية ترضي طموح ومصالح ورغبات الولايات المتحدة الأمريكية.. وهي هدف سياسي، وهدف عسكري، وهدف اعلامي:
1- هدف عسكري.. من المؤكد أن هناك سماسرة حرب يقفون وراء دفع القرار الأمريكي لهاوية الحرب، وهؤلاء تدفعهم شركات ومصانع الأسلحة الأمريكية، حيث تنتظرهم فرصة ذهبية لتجريب الجيل الجديد من تطورات الأسلحة الأمريكية سواء كانت هجومية كتوما هوك أو دفاعية كالباتريوت.. وبينها نماذج جديدة لتطوير اسلحة قائمة وجديدة تحتاج فعلاً حرباً حقيقية للتعرف على مدى فاعليتها ونجاحها في وظائفها القتالية.. حيث من المتوقع أن تنشب حرب كل عشر سنوات على الأقل لاستمرار عجلة الآلة العسكرية في انتاج احدث الترسانات التدميرية في العالم.
2- وهناك هدف سياسي، تسعى من خلاله الولايات المتحدة إلى وضع بصماتها الواضحة على منطقة الشرق الأوسط.. ورسم خارطة جديدة لمصالحها في المنطقة، باضافة ولاءات جديدة لها في المنطقة وفق استراتيجية «معي أو ضدي» التي أعلنها الرئيس الأمريكي من أول يوم بعد أحداث 11 سبتمبر.. وتحاول الولايات المتحدة اعادة رسم خارطة المنطقة بحيث تتحول في شكلها وجوهرها الى منطقة ولاء واضح وخدمة صريحة للمصالح الأمريكية.
3- هدف اعلامي .. تحقق الحرب هدفاً أساسياً في الحرب التي تشنها الولايات المتحدة على ما يسمى بالارهاب.. فلم تستطع امريكا ان تحقق أي انتصار رمزي لها في أفغانستان، فكانت تتمنى أن تأسر أو تقتل أسامة بن لادن أو الملا عمر.. ولكنها لم تتمكن من ذلك، ونحن نعلم أن النظام السياسي الأمريكي يحاول دائماً أن يحقق نصراً رمزياً للجيش الأمريكي والقوة الأمريكية..
وحرب أفغانستان لم تحقق لأمريكا مبتغاها الذي تقدمه كقرابين لوسائل الاعلام لديها وبالتالي للرأي العام الأمريكي.. وهي تريد أن تجسد انتصاراً رمزيا لها في حربها على الارهاب من خلال المدخل العراقي.. ولهذا فان ربط حربها على العراق بقضية الارهاب يأتي في هذا السياق العام، بحيث إذا تحقق نصر رمزي واضح لأمريكا في هذه الحرب سيجسد ذلك انتصاراً رمزياً لها على الارهاب.. مثل انتحار الرئيس صدام حسين، أو اغتياله، أو الانقلاب عليه، أو نفيه خارج العراق..
وكل هذه السيناريوهات تصنع انتصاراً رمزياً لأمريكا في قضيتها على الارهاب..وهو ما تحتاجه فعلاً في هذه المرحلة.. من أجل الرأي العام الأمريكي.. ومن أجل الاعلام.
وإذا نشبت هذه الحرب - والظروف مواتية لذلك - ستكون الولايات المتحدة هي المستفيد الأساسي من هذه الحرب، بعكس دول العالم الأخرى بما فيها دول المنطقة، فستكون هذه الدول خاسرة اقتصادياً، أو عسكرياً، أو سياسياً، أو نفسياً، أو في كل هذه المجالات مجتمعة.. ومن الواضح ان كل دول العالم لديها رغبات غير تلك التي لدى الولايات المتحدة الأمريكية.. وتقف امريكا لوحدها في صف الداعمين والمؤيدين للحرب، لكن لكونها دولة عظمى ستضطر دول أخرى بما فيها دول عظمى أخرى للوقوف إلى جانب أمريكا لمجاملتها، أو لعدم مواجهتها في هذه الحرب.. أو للتعاطف معها لما حصل لها من تدمير في وجهها الاقتصادي والعسكري في الحادي عشر من سبتمبر.
وهكذا تأتي إلينا في شرقنا الأوسط حرب جديدة.. تأخذ من الغالي والرخيص، وتستنزف الثروات والاقتصاد، وتبعثر الأوراق وتخلخل المسلمات وتربك الأعراف.. حرب تريد بها أمريكا ان تنتصر لنفسها.. من هذه المنطقة.
ولكن في مثل نشوة النجاح الذي تريد أن تحققه أمريكا، هل تتولد بذور تدمير جديدة تبنيها الولايات المتحدة في تمثال النصر الأمريكي؟ وربما نسأل: إلى أين تريد هذه البذور أن تصل؟ وأين تريد أن تسير وفي أي اتجاه، وفي أي مجال يؤلم الكبرياء الأمريكي مرة أخرى؟!..
رئيس مجلس ادارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال
|