في الأنظمة السياسية الغربية، تكونُ المعارضة هي الوجه الآخر للنظام، تختلف معه في الرؤى، ويتباينان في المناهج، وربما في الأساليب والمعالجات، ولكنهما يتفقان في النظرة إلى الوطن. وهناك يأتي تمويل المعارضة بطريقة شرعية، واضحة، ومعلنة، ولا شيء يجري من تحت الطاولة، فالشفافية أساسٌ لا أحد يجرؤ على المساس به.
أما ما يسمى تجاوزاً: المعارضة العربية، وبالذات تلك التي تعيش خارج الوطن، فهي على خلاف جذري مع النظام في أوطانها، وهذا الخلاف هو خلاف وجود وبقاء، لا خلاف في الرؤى والمناهج. لذلك فالعداء بينهما عداء مستحكم، وهي أي المعارضة لا تستحي من النيل من النظام، ولا تترفع عن الإساءة إليه، ليس من منطلقات وطنية، أو حتى ايديولوجية، بقدر ما هي لأسباب انتقامية كيدية، يكتنفها التشفي، وتحركها الأحقاد، حتى وإن كان الخاسر الأول الوطن، والرابح الأخير أعداؤه. وهي لذلك تعرض إمكاناتها دائماً لخدمة العدو، أي عدو، مؤقتاً كان أو دائماً، وتجعلُ نفسها، دون أية ضوابط، أو مبادئ، أو قيم، أو أخلاق، رهنَ إشارة من يقف ضد النظام، طالما أن هذا «العدو» سيدفعُ لأساطينها، وسيمول بسخاء نشاطاتها، وسيمكنها من الاستمرار في الكيد والتشفي. لذلك فهي على استعداد، مقابل التمويل، أن تكونَ بمثابة مخلب قطٍ في وجه الوطن، أو الصوت القابل للتأجير لمس رموزه والحط من قدرهم، أو حتى «لغماً» يهز استقراره، فالمهم أن «تقبض»، وليذهب الوطنُ والمواطنُ إلى الجحيم.
وأنا هنا لا أنفي طبيعة الاختلاف بين البشر، ولا أقولُ بمجتمع أسنان المشط، فالاختلاف في الرؤى والأفكار سنة كونية لا يمكن إلا قبولها. غير أن الذي أعنيه هو كيفية إدارة هذا الاختلاف، وما هي ضوابطه، وبالتالي كيف نوظف هذا الاختلاف في الرؤى لإثراء التجربة الوطنية، بالشكل والمضمون والمنطلق الذي تكونُ فيه انعكاسات هذا الاختلاف إيجابية على الوطن، لا معولاً من معاولِ هدمه، وسبباً لانفراط عقده الاجتماعي..
ولا يفضح معارضات الخارج الانتهازية مثل التمويل. فما خرجَ علينا أحدُ هؤلاء المعارضين في إحدى القنوات الفضائية، متذرعاً بالمعارضة، ومتشحاً بادعاء الوطنية، إلا ونتساءل: من أين لك التمويل، وكيفَ استطعت أن تمولَ نشاطاتك وأنت تعيش في بلدٍ آخر؟، ليثير السؤال شكوكاً تلقي بظلالها سلبياً على نزاهة وصدقية وأمانة هذا الإنسان، الذي أراد أن يُسيء للآخر، فإذا به يُسيء إلى نفسه، ليتحولَ المسكين إلى بوق ينفخُ فيه من جَندوه للإساءة إلى وطنه وأهله وذويه، فيتقزم أمام الجميع، حتى تبدو نعلاه أعلى منه بكثير.
وما من شك في أن لقاءات سمو الأمير عبدالله بالفعاليات الوطنية في المملكة، على مختلف مشاربهم، ومواقعهم الوظيفية، وفتح باب الحوار على مصراعيه معهم، تحملُ الكثير من الدلالات التي تتكئ على مرجعية أسسها أول من أسسها الموحد الملك عبدالعزيز رحمه الله، فليس لدينا ما نخفيه،
ولا أحد يُمنعُ من إبداء رأيه لأكبر مسؤول، حتى وإن كانت آراؤه تختلف مع آراء القمة السياسية، فلولا الاختلاف لما كان الحوار، ولولا الاجتهاد لما تحققت الإنجازات، والغاية مصلحة الوطن في المنطلق وفي نهاية المطاف.
ولعل آخر لقاءاته حفظه الله مع فعاليات نخبوية وطنية، ضَمّنت أفكارها الإصلاحية في رسالة إلى سموه، تحملُ الكثيرَ من الرؤى والأفكار الجديرة بالبحث والنقاش، التي قد نتفقُ معها وقد نختلف، إلا أنها سحبت البساط من تحت أقدام الانتهازيين في الخارج، وعرتهم، وفضحت نواياهم، وكشفت ادعاءاتهم، الأمر الذي فوتَ الفرصة على من يمولهم، ويبرزهم، ويلمع صورهم، ويتكئ عليهم، بهدف الإساءة للمملكة، من تحقيق أغراضه في النيل من البلاد ونظامها ورموزها، لهذا فليسَ لديّ أدنى شك في أن الرابح الأول والأخير من هذه الممارسات الحوارية والحضارية هو الوطن نفسه، أما الخاسر الأخير فهم أعداء هذا الوطن أولاَ، ثم أولئك الانتهازيون الذين تنقلوا بين أعداء البلاد طلباً للعون والمساعدة، واستجداءً للتمويل، مقابل البقاء لتحقيق أغراضهم حتى ولو على حساب بلادهم.
|