أحبب الناس يحبوك، رافق من تثق بعلمه وعقله لا بمنصبه وماله.
هكذا كان يقولها. فرحم الله خالي صالح رحمة واسعة. وأسكنه فسيح جنانه.
عرفته وأنا طفل صغير ذلك الأب الرائع والخال الحنون ذلك الإنسان الذي هو بحق إنسان بكل ما تحمله الكلمة من معان.
لقد كان بلسماً شافياً كان لي هو الباب المفتوح دائماً حين أجد الأبواب مغلقة أمامي؟ بعلمه ورأيه ودرايته. كان سلاحي الذي افتخر به. كان يحمل شمعة في الظلام لتضيء الطريق لنا.
كنت أجده في أي وقت. على كثرة مشاغله.
عرفته وأنا طفل حين سافر بأمي «أخته الكبرى» إلى الهند من أجل علاجها. كنا نسكن المنطقة الشرقية «الخبر» وكان يعمل بجريدة اليوم بالدمام.
انتقلنا بعدها بفترة إلى الرياض بناء على اقتراحه لمواصلة علاج أمي. كبرت وفكرت أن أترك المدرسة واتجه إلى الوظيفة فلما علم انزعج من ذلك التفكير.
وقال لي: أكمل دراستك ولا تتركها وسوف أدفع لك راتباً شهرياً إذا استمررت. العلم هو مصباحك الذي يضيء مستقبلك. هكذا قالها. وبعد يومين أرسل إلي رسالة مفادها أنه مسافر إلى بيروت وكتب الشيء الكثير من أجل أن لا أفعل.
تركت المدرسة وذهبت إلى الجيش «مطابع القوات المسلحة» فلما علم لم يرد أن يعاتبني. وأخذ علي العهد بأن أكمل الدراسة في المساء ففعلت «وهو صاحب الفضل في إكمالي دراستي» وبعد فترة تم انتدابي من قبل العمل لدراسة المونتاج والتصوير.
وتزامن تخرجي منه بحصولي على شهادة الثانوية التجارية وفي زيارة من زياراته الجميلة وبينما هو يهم بالخروج قلت له: أبو شهانة انتظر أريد أن أريك شيئاً يفرحك فذهبت وأحضرت الشهادة الفنية والدراسية، فلما رآها وقرأها نظر إلي والدمعة في عينيه.
وقال: نعم إنه يفرحني كثيراً ولكن أنتظر المزيد كيف لا أفرح وأنت ابني؟
وأذكر أنه حينما قررت أن أتزوج اتصلت به وقلت له ماذا عندك الخميس القادم وكان ذلك في عام 1417هـ قال لي: أنا مسافر غداً إلى لندن وسوف أعود بعد أسبوع لماذا؟ قلت له: سوف أعقد قراني وأريدك أن تحضر
فقال: كم عبدالوهاب عندي يا سيدي، نؤجل السفر وسوف أحضر وهديتك معي. وكان حضوره أكبر هدية أعتز بها
حضر وذهبنا وبعد خروجنا قال أين ستقضي إجازتك؟ فقلت: لم أحدد بعد. قال: أنا رتبت كل شيء ما عليك إلا أن تحمل حقائبك وتذهب إلى المطار. وهذه هي هدية متواضعة من خالك الذي يحبك.
مواقف كثيرة وجميلة أعجز عن سردها، فهو بحق إنسان يصعب وجوده في مثل هذا الزمن.
حكايات جميلة ولقاءات مثل الحلم. أذكر حينما كنا أطفالاً صغاراً. كانوا يقولون لنا أن صالح سوف يأتي اليوم، فنذهب ونلبس كل ما هو جديد. أتعرف لماذا. لأنه سوف يأتي العيد بقدومه عندنا. في عام 1399هـ لم نكن نمنع الأطفال من لقاء الكبار.
كيف أرد صنيع ذلك الرجل. فليس عندي إلا الدعاء له بالمغفرة والرحمة. فما قلت وكتبت لا يوفيه حقه.
أتذكر الأوقات الجميلة التي كنت أقضيها معه، كنت أذهب معه في بعض رحلات التصوير البرية.
فكان يقول: تخيل هذه الصحراء الجميلة؟ أليست نعمة، ليتني أعيش فيها..
تعال أريد أن أعلمك التصوير بالكاميرا. أريد أن تعرف أين زواية الصورة. وقت الصورة.. كيف تصور ومن أين تصور؟
هذا يا عبدالوهاب علم وأنا أعلمك بالمجان. نعم قلة من يتقنونه رحمك الله يا خالي وحبيبي.
كان كل لقاء به له حكاية وبه ألف بلسم وابتسامة. لم أتوقع أن يتغلب عليه ذلك المرض. لأنه تغلب على أشياء كثيرة.
تغلب على الناس بحبه. وتغلب على الكلمة بصوره وتغلب على الكراهية بتسامحه.
رحل تاركاً حباً لم يسجل لرجل مثله. رحل وهو أسطورة مستحيل تكرارها. سيد المستحيل الأزرق ورجل النبل وسيد الاحترام. صالح العزاز.
اللهم نقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.
اللهم ارحمه برحمتك التي وسعت كي شيء. آمين.
|