قال الله تعالى: {وّأّذٌَن فٌي النَّاسٌ بٌالًحّجٌَ يّأًتٍوكّ رٌجّالاْ وّعّلّى" كٍلٌَ ضّامٌرُ يّأًتٌينّ مٌن كٍلٌَ فّجَُ عّمٌيقُ، لٌيّشًهّدٍوا مّنّافٌعّ لّهٍمً وّيّذًكٍرٍوا اسًمّ اللّهٌ فٌي أّيَّامُ مَّعًلٍومّاتُ عّلّى" مّا رّزّقّهٍم مٌَنً بّهٌيمّةٌ الأّنًعّامٌ فّكٍلٍوا مٌنًهّا وّأّطًعٌمٍوا البّائٌسّ الفّقٌيرّ} [الحج: 27 ـ 28].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبوهريرة رضي الله عنه «مَنْ حجّ فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» رواه البخاري ومسلم.
لقد اشتملت فريضة الحج على حكم جليلة كثيرة ودروس وعظات وعبر وفيرة.
ففي الحج إظهار للتذلل لله عز وجل، وذلك لأن الحاج يترك أسباب الترف والتزين ويلبس الإحرام، مظهرا فقره لربه، ويتجرد في هذا السفر عن الدنيا وشواغلها التي تصرفه عن الله سبحانه فيتعرض بذلك لمغفرة الله تعالى ورحمته.
ثم يقف الحاج في عرفات ضارعاً لربه، حامدا شاكرا نعمة الله مستغفراً لذنوبه وعثراته.
إن أداء فريضة الحج يؤدي شكر نعمة المال وسلامة البدن، وهما أعظم ما يتمتع به الانسان من نعم الدنيا.
وفي الحج شكر لهاتين النعمتين العظيمتين، حيث يجهد الانسان نفسه، وينفق ماله في طاعة ربه والتقرب إليه.
إن الحج يربي النفس على روح الجندية، بكل ما تحتاج إليه من صبر جميل وتحمل الأذى ونظام عسكري منظم يتعاون به المرء مع الناس، الا ترى الحاج يتكبّد مشقات الأسفار!! حتى يتجمع الحجاج كلهم في «مكة» حرم الله، ثم ينطلقون جميعا وهم في ذلك من ذي الحجة لأداء المناسك، ويقيمون ويتحركون جميعاً، مسرورين إنها تنقلات كشافة روحانية.
وهناك تزول الفوارق بين الناس، فوارق الغنى والفقر، فوارق الجنس واللون، فوارق اللسان واللغة، تتحد كلمة الانسان في أعظم مؤتمر بشري، مؤتمر كله خير وبركة وتشاور وتناصح وتعاون على البر وتآزر، مؤتمر عظيم.
مؤتمر الحج تجتمع فيه الكلمة على البر والتقوى وعلى التواصي بالحق والتواصي بالصبر والسهر على مصلحة الأمة، هدف هذا المجتمع والتجمع العظيم ربط أسباب الحياة بأسباب السماء.
ففي الحج ذكريات غالية، تغرس في النفس روح العبودية الكاملة، والخضوع الذي لا يتناهى لأوامر الله وشريعته.
هناك، في البقاع المقدسة والأماكن الشريفة العبرة تنبثق، فعند البيت العتيق حط أبو الأنبياء ابراهيم عليه السلام رحله بزوجته هاجر وولده اسماعيل كما أخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه في حديث طويل قال فيه: جاد بها «هاجر» ابراهيم عليه السلام وابنها «اسماعيل» وهي ترضعه، حتى وضعها عند البيت، عند دوحة فوق «زمزم» في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء فوضع الأم وابنها الصغير.
هناك بوادٍ غير ذي زرع، ووضع عندها جراباً فيه تمر، وسقاءً فيه ماء ثم قضى ابراهيم عليه السلام منطلقاً، فتبعته أم اسماعيل قائلة: أين تذهب؟ وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه حيوان ولا انسان.
هناك في ذاك القَفْر الأجرد نبعت «زمزم» بين يدي اسماعيل، وكانت هذه الماء له ولأمه آية يعتبر بها الناس.
فقد أصبحت تلك الأسرة الصغيرة نواة الحياة وبذرة العمران في ذلك المكان وجاءت لصحراء جزيرة العرب بشرف النبوة والرسالة، وحُق لمن خضع لأمر الله ذلك الخضوع أن يكون أهلاً لذلك التكريم، وأن يقيموا بناء البيت الذي تهوي إليه أفئدة أهل الايمان.
فسيروا معشر من آمن بالله على طريقهم، واحفظوا أمر الله، ودينه فيكم، يحفظكم ربكم وينصركم.
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله تعالى فيه عبداً من النار من يوم عرفة وإنه يباهي بهم الملائكة» رواه مسلم.
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أي العمل أفضل قال: إيمان بالله ورسوله، ثم: الجهاد في سبيل الله، ثم حج مبرور» رواه البخاري ومسلم.
ختاماً أنقل هذه الأعجوبة الأضحوكة على لسان الاستاذ محمد النجار، حيث يقول في كتابه الرائع «صوت المنبر»: من الأمر العجيب أننا نرى كثيرا من الناس المسلمين ممن أغدقت الدنيا عليهم، ممن لا علم لهم بأحكام الحج ومناسكه، نرى الواحد منهم ينفق الأموال الباهظة والدراهم الكثيرة في سفر الحج من غير حاجة ماسة الى هذا مع السرف المذموم والتبذير الممقوت، ولا يسهل عليهم انفاق اليسير في سفر من يصحبهم ويعلمهم ما يحتاجون في سفرهم لحجهم، ليحصل لهم ثواب التعلم والأجر، ويعودون بحج صحيح مبرور.
إن الحج، حقاً، أعظم مؤتمر بشري جامع.
|