محمد السليمان العبد الله النملة رجل من رجال الدولة السعودية أيام الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - والملك سعود -رحمه الله - والملك فيصل - رحمه الله - خدم في المجال العسكري، ووصل إلى قيادة الحرس الملكي في عهد الملك سعود رحمه الله ثم قيادة المنطقة الجنوبية في عهد الملك فيصل رحمه الله .
تقاعد مبكراً بعد أن فقد فلذة كبده عبد الله رحمه الله في الرياض العاصمة، وكان هو في المنطقة الجنوبية، وكأنه رحمه الله حمَّل نفسه شيئاً من ذلك بهذا البعد فآثر أن يتفرغ لتربية الأولاء بنين وبنات، وان يحط الرحال في العاصمة، حيث تسكن معظم أسرته من اخوته وبني عمه وإن أحب القصيم وتردد عليها.
الثناء عليه من ولاة الأمر يتردد كلما لاحت خدماته في الأفق، ولا يكاد فرد من أفراد الأسرة يُعرِّف الآخرين باسمه هو إلا ويسأل: وماذا يقرب لك اللواء محمد السليمان النملة؟ له ذكر مبارك طيب لدى من عرفوه عن قرب وعن بعد، أفراده وضباطه وضباط الصف الذين عملوا معه لا يفترون من الثناء عليه وهذه نعمة من نعم الله عليه، فالناس شهود الله في أرضه وقد لمست ذلك كثيراً.
كان رحمه الله قريباً جداً من الخير، بنى المساجد في أماكن كثيرة من البلاد، وكان يكفل أسراً يصرف لها ما يتيسر له دورياً دون أن يعلم أقرب الناس إليه، سوى أقرب المقربين رفيقة الدرب الطويل، الذي ظَهَر قِصَرُه يوم الأربعاء 4/12/1423ه، أم عبد الله التي وقفت معه في السراء والضراء، وهكذا تكون الزوجة الصالحة، رافقته في رحلاته العلاجية حينما عانى من المرض قبل عشرين سنة مضت، وبقي كذلك يعاني منه حتى توفاه تعالى مما يدل بإذن الله تعالى على المزيد من الأجر والمزيد من تكفير الذنوب والخطايا.
كانت حفظها الله سنده الأول بعد توفيق الله تعالى له وهكذا تكون الزوجة الصالحة وان كان هو والد الجميع بالنسبة لأفراد اسرته الكبيرة، فأم عبد الله أضحت كذلك والدة الجميع لما كانت تقوم به من جهود في لم الشمل والوصول إلى البعيد والدلالة على الخير ولم يكن ذلك كثيراً منها لأنه لا يكثر من الزوجات الصالحات لرجال يستحقون.
قربه من الخير رحمه الله لم يظهر ولم يكن يريد له أن يظهر، إلى درجة أننا «أبناؤه وبناته» علمنا بعدُ أنه كان يذهب بنفسه إلى البيوت المحتاجة ليقدم لها ما تجود به نفسه، ولم يعتمد على آخرين هم موضع ثقة من اخوته أو أبنائه أو القريبين منه، كان يجمعنا في المناسبات، كعيد الفطر المبارك، يكلف أبناءه بالاتصال بالجميع للاجتماع في مسكنه أيا كان هذا المسكن وأين كان هذا المسكن فكانت الأسرة تلجأ إلى الله ثم إليه اذا حزبها حازب حتى في أواخر أيامه لم يتوان عن الاسهام في جهوده المعهودة عنه مع المعاناة التي كان يعيشها مع المرض، بل الأمراض التي أوهنت عظمه، وحدت من قدرته على الاتصال بالآخرين، رغم انه كان يحب ذلك ويحرص عليه، ويحرص على جمعنا في غير ما مناسبة إلا اللقاء.
ذاك عمي محمد السليمان النملة أبو عبد الله الذي كان ينظر إليَّ خاصة واحداً من أبنائه وأنظر إليه بديلاً لوالدي عندما فقدت والدي سنة 1412ه رحمه الله رحمة واسعة لم يُخف عني قط، أو لم يستطع أن يخفي عني تقديره لي ورغبته في اعطائي مكانة أعلم أني لا أستحقها أمامه فما قدمت جزءاً مما قدم، ولا أظنني وإن كنت أرغب في ذلك أستطيع أن أقدم مثل ما قدم لا للأسرة فحسب ولكن لكل محتاج طالب خدمة، استطاع ان يقدمها له رحمه الله رحمة واسعة.
كانت له مواقف خاصة جداً علمها من علمها وجهلها من جهلها.. هذه المواقف زادت من تقدير الآخرين له، وادراكهم لمدى ولائه لدينه ولقيادته ولبلده، هي تلكم المواقف التي تصدر عن الرجال في أوقات يظهر فيها الرجال، ولا أقول في أوقات يندر فيها الرجال.
إنه عمي محمد السليمان النملة أبو عبد الله الذي عانى من المرض ما عانى فصبر صبراً جميلاً وحرص على أداء واجباته تجاه ربه على وجه لن يضيع عند ربه واسع الفضل والمغفرة والرحمة والجود، وأحسب أن هذه العبارات قد قصرت كثيراً في حق هذا الرجل الذي يمثل فئة من الرجال والنساء ممن آثروا عدم البروز ولم يرغبوا في الأضواء ولم يروا الآخرين شيئاً يسيراً مما قدموا لهم، فهم يرغبون في السر وإن كان العلن في بعض المواقف مطلوباً، وهم يرغبون في اخلاص العمل لله تعالى لما عند الله تعالى من خير كثير، ولست بهذا اعزي أم عبد الله واخوته واخوانه وبنيه وبناته فحسب، ولكني اعزي نفسي مع ذلك وأعزي اخوتي واخواتي وأهلي وبني أسرتي وبناتها الذين لن يمر عليهم اسم محمد السليمان النملة إلا وقرنوه جميعاً بالدعاء له بالرحمة والمغفرة والجنان العلى محشوراً مع الصالحين والصديقين والشهداء وقبلهم أنبياء الله الذين ينعمون في رياض من رياض الجنة، وسَّع الله له في قبره وجعله ممن يستعجلون الآخرة طمعاً في نعيمها لما يذوقه من نعيم في حياة البرزخ، وجبر الله مصابنا فيه وألهمنا الصبر والاحتساب، فإنما الصبر عند الصدمة الأولى ولله ما أعطى ولله ما أخذ وكل شيء عنده بمقدار وكان الله في عوننا على فقده. {وّبّشٌَرٌ الصَّابٌرٌينّ الّذٌينّ إذّا أّّصّابّتًهٍم مٍَصٌيبّةِ قّالٍوا إنَّا لٌلَّهٌ وّإنَّا إلّيًهٌ رّاجٌعٍونّ} وكان الله في عون الجميع.
(*) وزير العمل
|