في هذه الأيام ترنو الأبصار وتتأجج الأشواق إلى أرض الحجاز الى مكة والمشاعر المقدسة إنه الحنين إلى البيت العتيق الذي حرك مشاعر المحبين فقال الشاعر:
أشواقنا نحو الحجاز تطلعت
كحنين مغترب إلى الأوطان
إن الطيور وإن قصصت جناحها
تسمو بفطرتها إلى الطيران
|
في هذه الأيام أخذ الناس يتوافدون زرافات ووحدانا براً وجواً وبحراً يؤمون بيت الله الحرام والمشاعر المقدسة ليؤدوا نسكهم مجيبين داعي الله: {وّأّذٌَن فٌي النَّاسٌ بٌالًحّجٌَ يّأًتٍوكّ رٌجّالاْ وّعّلّى" كٍلٌَ ضّامٌرُ يّأًتٌينّ مٌن كٍلٌَ فّجَُ عّمٌيقُ} إن الله جل وعلا فرض على عباده حج بيته الحرام مرة في العمر على القادر المستطيع قال الله جل وعلا: {وّلٌلَّهٌ عّلّى النَّاسٌ حٌجٍَ البّيًتٌ مّنٌ اسًتّطّاعّ إلّيًهٌ سّبٌيلاْ} ولاشك أن ذلك يحتاج إلى أهبة واستعداد بما يلزم لأداء هذه الشعيرة على الوجه الكامل ومن ذلكم:
إخلاص النية لله جل وعلا بأن يقصد بحجه وجه الله لا غيره قال جل وعلا: {وّأّّتٌمٍَوا الحّجَّ وّالًعٍمًرّةّ لٌلَّهٌ } وإتمام الحج الإتيان بمناسكه على الوجه المشروع، وقوله (لله) بمعنى: إخلاص النية لله وحده وتخليص أفعاله من الشرك الأكبر والأصغر والرياء والسمعة.
الاستعداد بالنفقة الكافية التي يستغني بها عن الناس قال تعالى: {وّتّزّوَّدٍوا فّإنَّ خّيًرّ پزَّادٌ التَّقًوّى"}، فأمر بالتزود وهو أخذ الزاد الكافي لسفره ذهاباً وأياباً وتوفير المركوب المناسب الذي يحمله في سفره ويبلغه إلى بيت الله الحرام ثم يرده الى وطنه قال جل وعلا: {وّلٌلَّهٌ عّلّى النّاسٌ حٌجٍَ البّيًتٌ مّنٌ اسًتّطّاعّ إلّيًهٌ سّبٌيلاْ}، والاستطاعة هي الزاد والراحلة.
ولا بد لمن يريد الحج أن يوفر لأهل بيته ما يكفيهم من النفقة إلى أن يرجع إليهم ولا يجوز له أن يتركهم بدون نفقة أو ينقص من نفقتهم من أجل أن يوفر ما يكفي لحجه فإنه في هذه الحالة آثم قال صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت» رواه النسائي، كذلك الحرص على إقامة من يخلفه في أهله ويحافظ على أولاده حال غيابه من أعمامهم أو اخوالهم.
كما ان على من يريد الحج أن يسدد الديون التي عليه أو يوفر لها ما يسددها فإن لم يكن لديه من المال ما يكفيه لحجه فإنه يقدم سداد الدين ولا يجوز له ان يحج في هذه الحالة.
كما ان على الحاج أن ينفق من الكسب الحلال ليكون حجه مبروراً وذنبه مغفوراً عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا خرج الحاج ووضع رجله في الغَرز فنادى لبيك اللهم لبيك ناداه مناد من السماء: لبيك وسعديك، زادك حلال وراحلتك حلال وحجك مبرور غير مأزور، وإذا خرج بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز فنادى لبيك اللهم.. ناداه مناد من السماء: لا لبيك ولا سعديك زادك حرام ونفقتك حرام وحجك مأزور غير مبرور) رواه الطبراني.
إذا حججت بمال أصله سحت
فما حججت ولكن حجت العير
ما يقبل الله إلا كل صالحة
ما كل من حج بيت الله مبرور
|
ويجب على من يريد الحج أن يتوب إلى الله جل وعلا من سائر الذنوب، وإن كان عنده مظالم للناس فعليه أن يردها إليهم ويطلب مسامحتهم، ليستقبل حجه بالتوبة النصوح والتخلص من المظالم، ويجب عليه أن يتجنب الذنوب والمعاصي وأن يحافظ على أداء الصلوات وسائر الواجبات، وهذا أمر يجب عليه في كل حياته وفي جميع حالاته، ولكن الحاج يتأكد في حقه ذلك لأنه في عبادة عظيمة فلا ينبغي له ان يدخل فيها وهو متلبس بالذنوب والمعاصي أثناء الحج قال تعالى: {فّمّن فّرّضّ فٌيهٌنَّ الحّجَّ فّلا رّفّثّ وّلا فٍسٍوقّ وّلا جٌدّالّ فٌي الحّجٌَ} وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه).
كذلك مما ينبغي التنبيه عليه إلى امر يتعلق بالمرأة في الاستطاعة وهو أن يكون لها محرم فلا يجوز للمرأة ان تسافر للحج ولا غيره بدون محرم سواء أكان السفر طويلاً أم قصيراً وسواء أكان معها نساء أم لا وسواء كانت شابة جميلة أم عجوزاً شوهاء وسواء في طائرة أو غيرها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم فقام رجل فقال: إن امرأتي خرجت حاجةً وإنني اكتتبت في غزوة كذا وكذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (انطلق فحج مع امرأتك) متفق عليه.
الاستعداد العلمي: بالتفقه في الحج والعمرة ومعرفة صفتهما واحكامهما وما يجب عليه فيهما وأدائهما على السنة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (خذو عني مناسككم) وكذلك الحرص على سؤال أهل العلم فيما يجهل الحاج قال تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون).
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
( * ) إمام وخطيب جامع الأميرة موضي السديري بالعريجاء
|