* دمشق - الجزيرة: عبد الكريم العفنان:
لم تمنع أجواء التوتر من احتمال حرب في المنطقة من انتشار اليافطات في مختلف المحافظات السورية، فالحملة الانتخابية لمجلس الشعب السوري بدأت بنفس الأسماء التي رشحت نفسها أكثر من مرة وعلى امتداد عقد من السنوات، والمجتمع السوري ينظر اليوم إلى هذه الحملة وكأنها إضافة لجملة تفاصيل حياته المليئة بالمتغيرات والأحداث، لكن الانتظار الذي يلف الحياة السياسية السورية، بدأ يأخذ منحى يحمل الكثير من التساؤلات حول طبيعة المرحلة القادمة. فالانتخابات تتزامن عملياً مع التقارير الإعلامية التي تتحدث عن حرب قادمة في أوائل شهرآذار، والشارع السياسي يعتبر ان المرحلة القادمة مرتبطة بأمرين أساسيين: الأول يتعلق بالاستحقاق الداخلي التي تشكل الانتخابات التشريعية جزءا منه، ويمكن النظر إليها كمنعطف سيتحدد عليه صورة الوضع العام السوري لأربع سنوات قادمة.
- الثاني هو الوضع الإقليمي وما سيترتب عن الحشود والتهديدات العسكرية للعراق، ورغم ان معظم الأوساط لا ترى فصلاً كاملاً بين الشأنين، نظرا لتأكيدات كافة القوى السورية على ضرورة الوحدة الوطنية لمجابهة الاستحقاق الإقليمي. لكن قراءة الوضع الداخلي يمكن فصلها ولو بشكل إجرائي عن الحالة الإقليمية وتحدياتها. فالوضع الداخلي يمكن اعتباره بشكل أو بآخر مفتاحاً لأي سياسة خارجية، كونه يمنح الموقف السياسي قوة واضحة.
عمليا فإن عمليات الترشيح لعضوية مجلس الشعب للدور التشريعي الثامن انتهت، وكان عدد المرشحين المقبولة طلباتهم على مستوى الدوائر الانتخابية 10423 مرشحاً، منهم 6075 مرشحاً للقطاع «أ» أي العمال والفلاحين، و4348 مرشحاً لباقي فئات الشعب. ويتنافس المرشحون على شغل 250 مقعداً، وهو العدد الاجمالي لمقاعد مجلس الشعب، منهم 127 مقعداً للقطاع «أ»، و123 مقعداً للقطاع «ب».عملياً فإن الخارطة السياسية لم يطرأ عليها أي تغيير. فالمقاعد الخاصة بالجبهة الوطنية التقدمية لم تتبدل، وبنية الجبهة بذاتها بقيت على نفس الواقع أو عدد الأحزاب الموجودة فيها. ورغم التوقعات الكثيرة حول دخول أحزاب إليها أو توحيد بعض الأحزاب، لكن المؤشرات الحالية لا توحي بأي تبدل ملموس. ومن جهة أخرى فإن قانون الانتخابات بقي على حاله ولم تظهر فيه أي تعديلات، مما يوحي بأن توزع قوى الناخبين ستبقى بيد حزب البعث الذي يملك أوسع قاعدة، بينما طالبت بعض القوى المعارضة بإعادة النظر بهذا القانون، وذلك وفق تقسيم المناطق الانتخابية، وعدم اعتبار المحافظات وحدة انتخابية واحدة، لكن هذا الإجراء بمفرده يشتت القواعد الانتخابية ويتيح بعض الخروقات سواء على صعيد مقاعد الجبهة أو المستقلين، وهذا ما جعله مستبعدا منذ البداية. فمجلس الشعب القادم لا يملك ضمن الظرف الموضوعي أي مقومات التغيير، رغم ان المرحلة السياسية تتبدل بشكل واضح على الصعيد السياسي والاجتماعي، ورغم أن قوائم الجبهة الوطنية التقدمية لم تظهر بعد، بما فيها مرشحو حزب البعث. لكن المعطيات الحالية توضح:
أولا - بنية أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، وذلك باستثناء حزب البعث. تعاني الكثير سواء على مستوى الكوادر أو البرامج الحزبية، وتؤثر فيها حالة من الانشقاقات المتتالية، مما يجعل أي تبدل على صعيد مرشحيها صعباً جداً.
ثانيا: أحدث حزب البعث بعض التعديل على مستوى الترشيحات، ولا يمكن تقييم ما ستؤدي إليه مثل هذه التعديلات على صعيد بنية المجلس ككل، وبانتظار ظهور قوائم الجبهة فإن وضع المجلس يبدو غائماً نوعا ما.
المجلس الجديد هو الأول في عهد الرئيس بشار الأسد، وبالتالي فإنه سيحمل عناوين المرحلة من الإصلاح والتحديث، وصولا إلى التطوير على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، لذلك فإن عودة نفس الصيغة القديمة ستؤثر بلا شك على كافة البرامج المستقبلية لسورية.
مع بداية تقديم الترشيحات أعلن التجمع الوطني الديمقراطي مقاطعته للانتخابات، وهذا الإعلان معنوي أكثر منه فعلي، لأن التجمع كان سيدخل عبر مقاعد المستقلين، فهو لن يدخل على أساس برنامج سياسي من جهة. ولن يستطيع تجسيد تيار داخل المجلس، والأمر نفسه ينطبق على الحزب السوري القومي الاجتماعي، الذي رشح حوالي 27 من أعضائه في كافة المحافظات السورية، لكن من المتوقع أن يسحب العدد الأكبر منهم لصالح مرشحين أو ثلاثة. ومما لا شك فيه ان الحملة الانتخابية التي بدأت أوضحت:
- استمرار الوجوه التقليدية على مستوى المستقلين. فحتى الآن لم تظهر أسماء جديدة، ومعظم الذين باشروا حملاتهم هم مرشحون للمرة الرابعة على الأقل.. لم تجسد القوى المستقلة تياراً مدنياً بالمعنى الاصطلاحي للكلمة، فهم قوى تجارية واقتصادية متنافرة في كثير من الأحيان، ولا تملك رؤية أو منهجا لعملها داخل مجلس.. هناك عدد من الترشيحات للأكراد في مناطق الشمال والجزيرة، ولكن لا يمكن الرهان على دخولهم إلى المجلس، خصوصا ان هناك أكثر من تيار كردي ولكل منهم مرشحون يعملون بشكل منفصل.وفق هذه الصورة يعود مجلس الشعب إلى التكوين الأكثر تنسيقا، وهو قائمة الجبهة الوطنية التقدمية، لأن هذه القائمة هي الوحيدة التي تعمل مع برنامج موحد وتنسيق بين أحزابها، وذلك بغض النظر عن فاعلية هذه الأحزاب. وبذلك فإن الرهان يبقى اليوم على ما سيقدمه حزب البعث الحاكم من وجوه جديدة إلى هذه القائمة، تغير من الصورة التي استمر عليها مجلس الشعب السوري منذ عام 1990.
|