Friday 7th february,2003 11089العدد الجمعة 6 ,ذو الحجة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

المفتشون في العراق يراهنون على الوقت الإضافي المفتشون في العراق يراهنون على الوقت الإضافي
جون دانيال *

هل أنتم ضد الحرب؟
أنا أيضا ضد الحرب..و مثلي كثيرون.. كالبابا يوحنا بولس الثاني، ونيلسون مانديلا، والرئيس الصيني و الرئيس الإفريقي.. مثل الرئيس«جاك شيراك»، وجيرهارد شرودر.. مثل كل الذين يعرفون أن اندلاع الحرب أية حرب كانت لن تصنع أفراح أحد ..
أرفض الحرب.. نرفضها جميعا .. يرفضها أكثر من 60 % من الإنجليز و أكثر من66 % من الفرنسيين .. و أكثر من ذلك من الجانب العربي قطعا.. لا يمكننا تخيل أن ثمة من يتمنى الحرب ( عدا الرئيس الأمريكي طبعا !) الذي قبل على مضض إعطاء ما أسماه«الفرصة الأخيرة» لنظام صدام حسين قبل اندلاع المعركة ! لكن .. دعونا نكون أكثر عقلانية، ونفكر لأول مرة ربما الأخيرة في حياتنا دعونا نتساءل: الحرب لماذا ؟ من سوف يستفيد من إبادة شعب بأكمله لأجل نزوة نظام لا يبدو مستعدا للتراجع ؟ في السابق، قيل لنا أن الحرب على أفغانستان سوف تمنح للأفغانيين حق الحياة خارج رداء «الطالبان».. صدقنا ذلك، وشاهدنا كيف مارست الطائرات الحربية الأمريكية إبادتها على الأفغانيين البسطاء.. شاهدنا كيف كانت تسقط القنابل على البيوت والمنازل وكيف كان الناس يموتون بلا تمييز .. ولم نسأل لماذا كل هذا؟ لصالح من يموت هؤلاء .. قيل لنا أن أمريكا تريد رأس«أسامة بن لادن» وإن داست على ملايين من الأبرياء، لأن أمريكا تريد القضاء على الإرهابيين الذين يناهضون الديمقراطية ويقفون في الخط كلما تعلق الأمر بالحريات ..لكن .. لم نسأل أبدا ماذا نسمي تلك الحرب وهي تتخذ تلك الصورة «الكارزماتية»القاسية ؟ لم نسأل ما ذنب طفل أفغاني قتله صاروخ كان يبحث عن رأس «أسامة بن لادن» ! هل سوف نشاهد نفس السيناريو ؟ هل ستحصد القنابل الأمريكية و الإنجليزية أطفال و نساء العراق بحثا عن رأس«صدام حسين»؟
الرئيس«بوش» لن يتراجع عن قراره بضرب العراق.. والرئيس العراقي لن يتراجع عن تحديه ل «بوش».. و مع ذلك وافق«بوش» بصعوبة على إدخال التحكيم الأممي إلى الملعب .. و هو يشهر سلاح الأدلة الجديدة التي لم يكتشفها المفتشون العائدون من العراق ..
هذا مؤشر خطير على أن نسبة الحرب كبيرة الآن، ليس لأن العراق يمتلك السلاح المحظور .. ليس لأنه ( أي العراق) يطور في برنامجه النووي.. ليس لأنه ينتج القنبلة النووية !! بل لأسباب ربما لا يعرفها سوى بوش نفسه الذي يحمل ضغينة قديمة على العراق، لأنه وعد شعبه بالقضاء على الديكتاتورية العراقية ..و لهذا يشعر أن عليه أن يكون محاربا شرسا ساعة المعركة .. فهي مسألة شرف، تقول«كونداليزا رايس» بشكل ملفت للانتباه .. فالتقرير الذي حمله المفتشون إلى الأمم المتحدة لم يكشف عن شيء .. كان مليئا بالتناقض .. كان براغماتيا أيضا و لم يرد على السؤال الأهم:«هل يملك العراق برنامج تسليح نووي خطير؟» لا أحد أجاب ب «نعم» لكن الجميع بدا مستعدا لتمرير الرسالة بين السطور.. فالعراق يجب أن يضرب قالها «بوش» في خطابه الأخير .. و فهمنا نحن الرافضين للحرب .. فهمنا أن الحكاية ليست أكثر من نظام يجب تغييره .. الرئيس العراقي لم يعد قادرا على الحكم، لكونه صار يشكل خطرا حقيقيا في المنطقة .. هذا إعلان يمكن فهمه لولا كل الالتباس الذي أرادت إدارة الرئيس بوش فرضه في نظام المصطلحات الدولية الجديدة .. الحرب ليست أكثر من تقليم للأظافر، ولا يهم أن يموت العراقيون طالما النتيجة في النهاية تعني القضاء على نظام صدام حسين ..!العالم الذي وقف إلى جانب الولايات الأمريكية المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبرلم يعد هو نفسه .. في«دافوس» أيام المنتدى الاقتصادي الدولي، تلقى «كولن باول» عريضة من 22 دولة تعارض الحرب .. بالنسبة للوزير الأول الماليزي:
«أمريكا ليست على صواب دائما، ولسنا مجبرين على الطاعة العمياء» .. هذا دليل أن العالم يتغير .. حتى لو رفضت أمريكا الاعتراف بذلك علنا . لأن زمن رعاة البقر قد ولى .. ولأن «رامبو» ليس حقيقيا .. بل مجرد فيلم فانتازي أراد الأمريكيون تصديقه على حساب مبادئ دولية لا يجب تجاوزها .. الدول معرضة للخطأ .. لا يمكن أن ترى جيدا .. الآراء العامة، أو الرسمية، أيضا معرضة للخطأ .. من يمكنه الجزم بالحقيقة؟ حتى الدول المعارضة للحرب ليست لها إجابات محددة .. و لا مواقف ناجعة .. ففي نهاية الأمر، بعد الحصول على حق التخلي عن الانفراد بالرأي، لصالح النزوة الإمبريالية، فلا يبدو أن مجلس الأمن الدولي الذي سوف يقرر اللاحربLe non la guerre .. المشكلةإذاً لا تأتي اليوم من التفكير في جنون أو راديكالية ما تفكر فيه الدول الصغيرة، بمعنى هل هي على حق أم لا .. و لكن في التساؤل عن الرؤى الأمريكية إزاءالمصالح الغربية أو مصالح العالم ككل، وهل لسبب «احتمال إقامة العدالة على الطريقة الأمريكية » يمكننا قبول كل شيء بما في ذلك التضحية بكل شيء حققه الغرب في العشرين سنة الماضية ..؟ المفتشون يعرفون أنهم يراهنون على الوقت الضائع .. بين سؤال الحرب أو اللاحرب.. و هو وقت لا يبدو كبيرا في ضوء الاستعداد العسكري الأمريكي بريطاني في المنطقة ..يجب أن نقول للجميع أنه صار لازما ألا ننجر وراء رغبة الدمار مهما كانت تسميتها .. فالحرب على الإرهاب يجب تحديد مفهومها الآن و بشكل واضح .. لأن الأشياء صارت دقيقة، وهذا ما يتفق عليه كل من خرج إلى الشوارع الأوروبية رافضا قرار الحرب .. لأنه صار يجب أن نفهم أن الإرهاب والمقاومة شيئان مختلفان..ويجب الفصل بين موضوع اعتداء دولة ما على جيرانها. وموضوع الثورة لأجل التحرر من الاحتلال .. يجب علينا الاعتراف أن المقاومة الشيشانية ليست إرهابا..و المقاومة الفلسطينية ليست إرهابا.. لأن غض النظر عن الممارسات الروسية في الشيشان، لا يختلف عن التأييد الأمريكي الصريح ل «أرييل شارون» بفرض سياسة الحرب والتهجير والتحقير، إزاء سياسة المستوطنات التي زادت في حدة الغضب الفلسطيني في المنطقة .. هذا هو الكلام الذي لا نستطيع اخفاءه عندما نتكلم اليوم عن الحرب المقبلة .. عن فكرة الإرهاب التي صارت تهمة أمريكية جاهزة لضرب كل دولة لا تطيع الإمبريالية الأمريكية، حتى لو أعلن كل المفتشين في العالم أن العراق ليس له أي برنامج للتسلح، فلن يغير من شيء، لأن «جورج بوش الابن» قرر وانتهى الأمر .. ولأننا لم نعد نستطيع تغيير العالم سوى بالكلمات .. وهذه مشكلة أوروبا ( القديمة ) على رأي الأمريكيين !

* عن «اللموند» الفرنسية خدمة الجزيرة الصحفية

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved