اختلف العلماء في يوم الحج الأكبر الذي جاء ذكره في سورة التوبة، وأذَّن به علي رضي الله عنه بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة، للإنذار للناس كافة، ممن حضر الموسم، وليبلغ الشاهد الغائب:{أّنَّ اللَّهّ بّرٌيءِ مٌَنّ المٍشًرٌكٌينّ وّرّسٍولٍهٍ} فقد روى البخاري رحمه الله حديثاً بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه، قال: بعثني أبو بكر رضي الله عنه في تلك الحجة، في المؤذنين الذين بعثهم يوم النحر، يؤذنون بمعنى أن لا يحج بعد العام مشركٌ، ولا يطوف بالبيت عريان، قال حميد ثم أردف النبي صلى الله عليه وسلم بعلي بن أبي طالب، فأمره أن يؤذِّن ببراءة: قال أبو هريرة: فأذَّن معنا علي في أهل منى يوم النَّحر ببراءة، وأن لا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، وذلك في سنة تسع من الهجرة، وأبوبكر كان أمير الحج.
ويوم الحج الأكبر، يرى كثير من العلماء أنه يوم النَّحر، وإنما قيل الأكبر، من قول الناس: الحج الأصغر.
كما يرى بعضهم أيضاً: أنه يوم عرفة، وهناك من يرى غير هذا وذاك، ولكل استدلاله وترجيحه.
والمفسرون رحمهم الله، عندما مرَّوا بآية التوبة التي ذكر الله فيها يوم الحج الأكبر أورد كل واحد منهم تحديده واستدلاله عليه.. ونكتفي منهم باثنين أحدهما: أبو السعود في تفسيره، عن يوم الحج الأكبر، حيث قال: هو يوم العيد، لأن فيه تمام الحج، ومعظم أفعاله، ولأن الإعلام كان فيه، ولما روي أنه عليه الصلاة والسلام وقف يوم النحر عند الجمرات، في حجة الوداع، فقال: هذا يوم الحج الأكبر وقيل يوم عرفة لقوله صلى الله عليه وسلم: الحج عرفة، ووصف الحج بالأكبر لأن العمرة تسمى الحج الأصغر.
أولأن المراد بالحج ما يقع في ذلك اليوم من أعماله، فإنه من باقي الأعمال، أولأن الحج اجتمع فيه المسلمون والمشركون، أو لأنه ظهر فيه عزّ المسلمين على المشركين، وأذلهم الله (2:516).
أما الآخر فابن كثير رحمه الله الذي استعرض في تفسيره آراء العلماء في يوم الحج الأكبر: هل هو يوم عرفة، أم يوم النَّحر، فقال: قال عبدالرزاق عن معمر عن أبي أسحاق سألت أبا جحيفة عن يوم الحج الأكبر، قال: يوم عرفة، فقلت: أمن عندك، أم من عند أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ؟ قال: كل ذلك. وقال عبدالرزاق أيضاً، عن ابن جريج عن عطاء قال: يوم الحج الأكبر يوم عرفة، وقال عمرو بن الوليد السهمي: حدثنا شهاب بن عبّاد البصري، عن أبيه قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: هذا يوم عرفة، هذا يوم الحج الأكبر، فلا يصومه أحد، قال: فحججت بعد أبي، فأتيت المدينة فسألت عن أفضل أهلها. فقال: سعيد بن المسيِّب، فأتيته فقلت: إني سألت عن أفضل أهل المدينة، فقالوا: سعيد بن المسيب، فأخبرني عن صوم يوم عرفة؟ فقال: أخبرك عمن هو أفضل مني، مائة ضعف، عمر أو ابن عمر، كان ينهى عن صومه، وهو يوم الحج الأكبر، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
وهكذا روي عن ابن عباس، وعبدالله بن الزبير، ومجاهد وعكرمة وطاووس، أنهم قالوا: يوم عرفة هو يوم الحج الأكبر.. وقد ورد فيه حديث مرسل، رواه ابن جريج، أخبرت عن محمد بن قيس عن ابي مخرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم عرفة، فقال: «إن هذا يوم الحج الأكبر».. وروى بوجه آخر عن المسور بن مخرمه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خطبهم بعرفات، فحمد الله، وأثنى عليه ثم قال: «أما بعد: فإن هذا يوم الحج الأكبر».
أما القول الثاني: بأنه يوم النحر، فقد قال هشيم عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي عن علي رضي الله عنه، قال: «يوم الحج الأكبر يوم النحر». وقال شعبة عن الحكم: سمعت يحيى بن الجزار يحدث عن علي رضي الله عنه: أنه خرج يوم النحر على بغلة بيضاء، يريد الجبَّانة، فجاء رجل، فأخذ بلجام دابته فسأله عن يوم الحج الأكبر، فقال: هو يومك هذا، فخلّ سبيلها.. وقال أبو اسحاق السبيعي عن الحارث الأعور، سألت علياً عن يوم الحج الأكبر؟ فقال: هو يوم النحر، وقال عبدالرزاق عن سفيان عن شعبة عن عبدالملك بن عمير، عن عبدالله بن أبي أوفى أنه قال: يوم الحج الأكبر يوم النحر.
كما أورد استشهادات وأدلة أخرى من ذلك هذا الحديث عن عمرو بن الأحوص عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع: أي يوم هذا؟
فقالوا: اليوم الحج الأكبر».
كما أورد آراء أخرى، تختلف عن السابقين، ومنها رأي لسعيد بن المسيب أنه قال: يوم الحج الأكبر اليوم الثاني من يوم النحر، رواه ابن ابي حاتم، وقال مجاهد أيضاً: يوم الحج الأكبر أيام الحج كلها، وكذا قال أبو عبيد، قال سفيان، يوم الحج، ويوم الجمل ويوم صفين.. أي أيامه كلها.أما الحسن البصري، فإنه لما سئل عن يوم الحج الأكبر؟ قال: ما لكم وللحج الأكبر، ذاك عام حج فيه أبو بكر الذي استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم فحج بالناس، رواه أبي حاتم،وقال ابن جرير حدثنا ابن وكيع أسامة عن ابن عون، سألت محمداً يعني ابن سيرين عن يوم الحج الأكبر؟
فقال: كان يوماً وافق فيه حج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحج أهل الوبر «تفسير ابن كثير:334- 335».
وأكثر الآراء على أنه يوم عرفة، لعظم شأنه، وكثرة عتقاء الله فيه من النار، وهو اليوم التاسع، وقد سمي بذلك لوقوف الناس بعرفة، وتعارفهم فيها، ولأن جبريل عليه السلام، حج بالخليل عليه السلام، فلما أتى عرفة قال: قد عرفت،
وقيل: لتعارف آدم وحواء بها، وصيام يوم عرفة لغير الحاج، فيه فضل عظيم حيث قيل: إنه يكفر سنتين؛ الماضية والآتية، لفضله وشرفه، أما الحاج فإن افطاره أفضل حتى يتقوى بذلك على ذكر الله وطاعته في ذلك المشهدالعظيم، لأن ليوم عرفة فضل على الأيام كلها.
وللحج منافع كثيرة حيث يتعارف الحجاج من كل مكان، ويتباحثون في شؤونهم وشجونهم، ويبيعون فيه ويشترون، وترق قلوبهم وتسخو أيديهم، ويعودون منه:بذنب مغفور، وسعي مشكور وعمل متقبل.
من حيل الثعلب:-
جاء في «الحيوان» للجاحظ، و«كليلة ودمنة» لابن المقفع، وغيرها من كتب النوادر: أن الثعلب مشهور بالمخادعة، وعلى لسانه وردت حكايات كثيرة تنبئ عن المكر والذكاء، فمن ذلك أنه: تصاحب ثعلبان، فلقيا أسداً فخافا منه، قال أحدهما للآخر: ما الحيلة؟ فقال: عليّ الحيلة، فقال الأسد: ما الخبر؟. فقالا: ورثنا أغناماً من أبينا، نريد أن نقسمها بيننا.قال أين هي؟ قالا: قريب. فتبعهما حتى أتيا مجرى ماء يخرج من بستان، فقال أحدهما للآخر، ادخل فأخرج الغنم. فدخل فأبطأ. فقال أخوه: أنظر إلى بطئه، حتى أدخل فأخرجه مع الغنم، فدخل وجلس الأسد ينتظر، فصعدا إلى السطح، فقالا: اذهب فقد اصطلحنا، فغضب الأسد وزأر، فقالا: لا تكن بارداً فما رأينا من يغضب من صلح الخصمين غيرك.
وقيل: إن أسداً اشتكى، فعاده السباع كلها إلا الثعلب، فقال الذئب، أنظر إلى الثعلب كيف استخف بك، فلم يزرك، وتطاير الخبر إلى الثعلب، فأتاه فقال له الأسد: يا ابن الفاعلة تأخرت عن الخدمة، فقال: إني مذ بلغني مرضك، كنت في طلب دواء لك، حتى وجدته. قال: وماهو؟ قال: لا يصلح لك إلا مرارة الذئب.
فقال الأسد: وأنّى لي بذلك؟ فقال: أنا آتيك به. فإذا أتاك فاقتله وتناول مرارته، فأتاه به، فقفز إليه الأسد فأفلت منه، وعدا بدمه، فتبعه الثعلب وقال له: يا صاحب السراويل الحمر، إذا جلست عند الملوك، فاعقل كيف تتكلم.ومع حيل الثعلب فإنه يقع على من يغلبه، فقد أراد ثعلب أن يصعد على حائط، فتعلق بعوسجة، فعقر شوكها يده،. فأخذ يلوم العوسجة، فقالت: يا هذا قد أخطأت حين تعلقت بي، ومن عادتي أن أتعلق بكل شيء.
|