ومضينا نقلب صفحات مشرقة في تاريخ أدبنا العربي النفيس، نقرأ سيرة أدبائنا ونتأمل مواقف مضيئة رسمها شعراؤنا لنطل على ميدان الفكر ونقف على ضفاف المعرفة.
دعونا نتخيل لقاءات عشناها معهم وحوارات وددنا لو اقمناها ليصوروا لنا ثقافة شباب هذا العصر الموسومة بالضحالة في غالبها.
بالتأكيد سنجد أبا الطيب المتنبي قد خلد للنوم وقد أطفأ مصباحه بعد ان أخبرنا (بخير جليس) ثم قال «أنام ملء العين عن شواردها».. ولن نغضب من أبي تمام وقد انصرف عنا وهو يردد «انكم لا تفهمون ما يقال».. وحينما نعرّج على أبي العلاء المعري نجده قد أغلق على نفسه في معرّته داخل بيته ليصبح رهينا للمحبسين.. ولا مانع من ان نقف بباب الشريف الرضي وهو يحتفي بالشعراء غير آبهٍ بنا.. وسنوافق الشافعي وهو يتحدث عن هذا الزمن «نعيب زماننا والعيب فينا» لنظل نشكو تحت وقع «ألا ليت شعري» ثم نقطع حبال الرحلة!
آه منكم شباب اليوم فكل الشعراء رفضوا تصوير جموحكم ولهوكم وانصرافكم عن مساحات المعرفة ودروب العلم.
لقد انشغلتم بالقشور والبهرجة والانغماس في امواج التقليد، جذبتكم منازع شتى يجمعها اللهو والعبث والرغبات العارمة.
فهناك فئة أدمنتْ «البلوت» حتى صار هاجسا مؤرقا وسلوكا يقيّد عطاءهم ويغتال طاقاتهم ويسرقهم من بيوتهم.. ومجموعة شغفتْ بالقفز الماتع بين مواقع «الانترنت» بحثاً عن زيارات الفضول «المشرّف» لتحل على ربوع مغرية! وثلة التصقت «بالشيشة» لتشكل ملامح فكرها «المبجّل» وترسم جلسات لم تكن طارئة في برنامج ليليّ معتاد.. وهناك من عشق الرحلات وركوب السيارات ومضى يجوب الحارات ويذرع الطرقات باحثا عن مشاريع الترويح وقتل الوقت!
مضينا نفتش عن بريق معرفة أو وميض فكر أو ملمح ثقافة فرجعنا بخفي حنين لاسيما وتلك القنوات «الخجولة» تذرف برامج الاثارة ودوائر الإغراء عبر هطول صاخب مصحوبا بعزف منفرد على وتر الجنس!
تتقاطر الجموع الى رحاب استراحتهم «المصونة» وتبدأ مراسم السهرة «البريئة» ويتواصل مسلسل التحري والتنقيب عن موادهم المترعة «بالحشمة»!
وهاهم يبددون القيم ويعبثون بالفكر ويخدشون جبين الحياء ويقيمون موائد السهر.. ويلمؤون الجو بالضجيج.
يمضي الليل سريعا يستحث الخطى وهؤلاء يسافرون بين قنوات الفضاء الرحب عبر نزوح مر مجرد من الحياء.. تتقاذفهم مناظر الاغراء وتسحرهم لوحات الغرام، وتسلب عقولهم مواقف الهوى، وتخدّر مشاعرهم حوارات الهيام.. وهاهو الاحساس يغفو وأنّى له ان يستيقظ و«للفيديو كليب» حضور مدهش طاغ.
ولم يزل هؤلاء تبهرهم الأعين النجل والمحيّا المثقل بالماكياج، وأناقة تصحبها لباقة لدى مذيعة بديعة.
لم تكن السماء صحواً ولا الشمس صافية ولم تكن درجات «القنوات» معتدلة بل كان جو الحياء باردا ومعبأ بالصقيع! والفضاء ملبدا بسحب الهوى!.
ساعات مثخنة بالاهدار ولم يكن الهدف سماع نشرات الأخبار!
إنما كانت هناك قصص وحكايا، ومناظر تتهشم منها المرايا وتضيق الزوايا .. آه لم يعد للبوح بقايا..
مضت أعينهم تلاحق «فراشات السينما» و«ساحرات الرقص» و«ملكات الجمال» وربما اقاموا المقارنات وتابعوا المسابقات وكأن المسافة قد ضاقت بين «جنون البقر» و«جنون البشر»!.
آه من زمن ضاعت الموازين فيه وتاهت القيم.. وبنى الليل من ظلمائه القمم.. واستبد بالمروءات الألم.
يا شباب اليوم أنتم حماة الدين وبُناة حضارة الوطن.. أوَما دريتم بأن للوقت ثمناً.. أضيئوا الزمن.. ارسموا على ساعد الوقت آثار الكفاح.. ودعوا المبادىء تشمخ في كل البطاح.. فبكم تزهو الميادين.. تشرق آفاق النجاح.
|