لا ريب ان التعبير عن أمر أو شعور أو رأي معين أو طرح حل لمشكلة اجتماعية على مستوى عام أو خاص أو دفاع عن حق أو مشاركة بعلم أو فكر كل ذلك يحتاج إلى ان يكون في جعبة صاحب التعبير حصيلة لغوية يستطيع بها ان يؤدي الغرض المقصود.
ولعل الحصيلة اللغوية تنحصر في صورتين: منها ما يكون بالفطرة فتكون الملكة موجودة بالفعل في أي شخص كان وليس أدل على ذلك من الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام فلم نجد ولم نسمع أفصح ولا أبلغ منهم، ومنهم أيضاً ما يأتي تدريجيا حيث تبدأ بشيء من الموهبة وتكمل بالتشجيع والممارسة حتى يقال عن صاحبها انه فصيح أو أديب أو صاحب تعبير شيق مفهوم، أو معبر واع قوي في حجته.
والحقيقة ان هذا الكلام قد يكون صعب المنال وقد يكون عكس ذلك، فإذا كان القصد من التعليم المنصب والمال أو الوظيفة لم يكن العلم للعلم ذاته، فأصبحنا لا نطلب أجراً ولا نبتغي ثوابا بالدرجة الأولى، منصباً، ثم مالاً اللهم إلا من رحم الله حتى صار ذلك عاملاً من عوامل الضعف التعبيري عند الطلاب فلا يعطى من ليس معه وفاقد الشيء لا يعطيه فكيف يعبر الطالب مع جهله بمفردات لغته، وإذا حاول صار الكلام بعيداً عن مرماه فلا يصل إلى مبتغاه، أما إذا كان عكس ذلك وعمل الطالب على ان يكون طلبه لعلمه علماً خالصاً لوجه الله متبعاً به سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً وتبليغاً لكان الأمر غير ذلك لا في مادة التعبير فحسب، بل في مختلف العلوم، والمعارف، ولعل هذه المشكلة «الضعف التعبيري» لا تخص طلاب العلم فقط بل جميع أفراد وطبقات المجتمع، لأننا لو لمسنا واقعنا لوجدنا ان لدينا الكثير من القضايا الشائكة في مجتمعنا والتي تحتاج إلى قوة التعبير التي نصل بها إلى قلب كل فرد في المجتمعات الأخرى، ولكي نكون على ذلك لابد ان نكون ممن يبحث عن العلم الجاد المفيد المعبر وهذا ما لمسناه في مجتمعنا الإسلامي، ولا تكن كمن تموج كتابته بتعبيرات لا تحمل الصوت المدوي، ولا التأثير الذي يجمع شتات قلوب قرائنا وسامعينا، لأن ضعف التعبير قد يشبه مريضاً بمرض عضال لا يستطيع من شدة الألم وكثرة الأعراض وصف ما به لأنه ابكم فليس لديه نعمة الكلام فالأمر ليس بالتعلم الصوري الشكلي ولا بالصراخ والكلام الرنان المكرر المعاب الذي لا يحمل هدفاً، أو الألفاظ المختلة التراكيب، أو الجمل التي تكتب ولا يدري كاتبها عن مدى تأثيرها عند قارئها، أو سامعها، أو انها هي التعبير الذي يفي بالغرض أم لا.
فيا أخي الطالب، وأبي المعلم لنكن أهلاً لذلك الأمر لأنه يحتاج إلى وقفة، فما الحال لو صار هذا مصير جيل كامل مسلم؟ وما الحل إذا أصبح هذا الجيل مسؤولاً عن أجيال بعده؟ لنتخيل معاً صورتنا أمام لغتنا، فها أنا ذا أنادي صارخاً ليس من فراغ، بل عن احساس بخطورة هذا الأمر. فلابد من وقفة وليست من جهة واحدة بل من كل فرد من أفراد المجتمع، من الأسرة لأبنائها، من المعلم لتلاميذه، من المدير لموظفيه، فكلٌ في مكانه مسؤول حتى نتصدى لهذا الأمر قبل فوات الأوان، ونعمل جاهدين على محاربة ومعالجة ذلك الضعف، وان نقف موقف الناقد المصلح حتى ننتشل مجتمعنا وطلابنا ومعلمينا من خطر لا يعلم خطورته إلا الله جل شأنه، أسأل الله ان يجعلنا ممن يقول القول ويتبع أحسنه.
|