قد يتخيل المرء أنَّ حصوله على درجة علمية ما، أوفوزه بمركز وظيفي مرموق يحلم به الآخرون، أو تقرُّبه من ذي شأن، أو كسبه لمال، أو جاه، أو تمتعه بصَّحة وقوة... أنَّ كلَّ ذلك قدْ يغني عن أن يواكب تطلعاته إلى ما يزيد خبراته العلمية، ويُنْجح أهداف عمله في مركزه الوظيفي، أو يحافظ على علاقته بالآخر، أو ينمِّي ثروته حلالاً طيباً، أو يحفظ عليه عافيته وقوَّته...
الإنسان ذو الطموح الفاعل، ليس كالإنسان ذي الطموح القاتل...
فالطموح الفاعل قوَّة محفزة في الإنسان كي ينمِّي مكتسباته، ويثريها، ويجعلها تثمر... نجاحاً وعطاءً، وفلاحاً...
والطموح القاتل قوَّة مدمِّرة تُذهب القليل والكثير... ويخرج عنها صفر اليدين...
يبدو أنَّ الطموح الفاعل في الإنسان يحتاج إلى أن يوضع ضمن أهداف التربية والتعليم...، كما يوضع ضمن أهداف الآباء والمعلمين، وليس قليلاً أمر اهتمام الكتاب به والمفكرون...
فالذي يُمْعن التفكير في دواعي فشل الأفراد الناجحين... ربَّما لن يخرج من تمعُّنه بنتيجة تبعد عن أن يجد الناجح الفاشل قد توقف طموحه عند حدود مكاسبه...
ولم يعمل...، ولم يحرص على التفاعل...، ولم ينمِّ مصادر نجاحه، ويحافظ على ما اكتسبه فيها..
فالنجاح في العلم، أو الوظيفة، أو العلاقات، أو الجاه، أو الصحة، لا يتحقق الدَّوام فيه إلاَّ بعدم الركون إليه، إذ هناك متغيرات، وتقلبات... هي من الأمور البدْهية في طبيعة حياة الناس وفي سيرورة الأمور فيها... ولعلَّ أوَّل مقوِّمات الطموح الفاعل «الشكر» للَّه تعالى والعمل بكلِّ مكاسب الإنسان في مرضاته، فلا علمه يستغله في شيء لا يحقق عنه مرضاته، ولا مركزه يسخره في ظلم الآخرين أو التفريط في مبادىء الصواب والحق، ولا علاقاته بذي شأن أن يجعلها فيما يضر الآخرين، ولا ماله أن يبدده فيما لا يفيد، ولا جاهه يسلطه في مضرَّة سواه أو حتى في الركون إليه دون العمل من أجل نجاحٍ أثبت...
إنَّ طموح الإنسان بقوَّتيه البانية والمدمِّرة، أيْ طموحه القاتل أو الفاعل إنَّما هوالمحصلة الأولى لما يُبذر في هذا الانسان خلال مسيرة نموِّه بدءًا بالطفولة وانتهاءً بالكبر أي منذ أن تُغرس فيه القيم والمبادىء وأسس الأخلاق الفاضلة تلك التي لم يعد التفريط فيها ينعكس على الفرد وحده بل على المجتمع كلِّه وإن كان منطلقها الفرد بين نمطي طموحه.
|