تمر المجتمعات خلال تاريخها بالعديد من الأزمات والمشاكل التي تؤثر في الكثير من المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وعادة لا ينتهي تأثيرها بانتهاء الأزمة بل ربما امتد لفترة زمنية طويلة، وربما كان توقع حدوث الأزمة كافياً لوحده لإحداث الآثار المحتملة للأزمة حتى لو لم تحدث. فالأفراد لا ينتظرون حدوث الأزمة حتى يكيفوا قراراتهم وتصرفاتهم معها بل إنهم يفعلون كذلك قبل حدوث الأزمة التي يؤثر مجرد توقع حدوثها في القرارات والتصرفات.
وأي اقتصاد لا يرغب في الهزات العنيفة التي تحدثها الأزمات أو توقعها، إذ انها تؤثر في وتيرة سيره وتعرضه لاختلالات جديدة.
ولذا فإنه من المناسب ابعاد الاقتصاد قدر المستطاع عن هذه الآثار السلبية وفي هذه الحالة فإن التعامل السليم مع الأزمة يبدأ من وضعها في اطارها الطبيعي وعدم تضخيمها، وهذا لا يعني في المقابل الإقلال من تقديرها أو تجاهلها، إذ ان هذا الأمر يتسبب في حدوث مشاكل لا تقل خطورة عن المشاكل التي يمكن ان تنجم من المبالغة في تقدير حجمها.
والتقدير المناسب لحجم الأزمة يستلزم الشفافية في توفير المعلومات الدقيقة ومناقشة انعكاساتها بوضوح وموضوعية ومصداقية الأمر الذي يسهم في اعطاء الصورة الواقعية للأزمة ويعمل على استبعاد عنصر المفاجأة وآثاره السلبية في القرارات المختلفة التي سَتُكوِّن ردود أفعال. وفي جانب آخر فإن مناقشة الأزمة وانعكاساتها المختلفة يسهم في استعراض البدائل المتاحة للتعامل مع الأزمة ويعين في اتخاذ القرارات الملائمة.
ومما لاشك فيه ان سلوك الأفراد والمنشآت والحكومات الاقتصادي يختلف في حال الأزمات عنه في الحالات الطبيعية. وفي مثل هذه الحالات ينبغي ان لا يُحَمَّل هذا الاختلاف وخاصة بالنسبة للحكومات أكثر مما يحتمل ويفسر بتفسيرات تؤدي في أحيان كثيرة الى آثار سلبية تعزز الآثار السلبية للأزمة.
ان حدوث الأزمات وتكررها أمر لا غرابة فيه ولا يمكن تجنبه باستمرار، لكن المطلوب هو وضع الاستراتيجيات والخطط والسياسات والأساليب الملائمة لادارتها والتعامل معها واتخاذ القرارات في ظلها والتخفيف من آثارها السلبية حتى يكون تجنب الوقوع في مصيدة ردود الأفعال ممكناً، لاسيما إذا كان حدوث الأزمات والمرور بها يشكل جزءاً من نسيج الحياة الطبيعية للأفراد والمجتمعات.
( * ) قسم الاقتصاد والعلوم الإدارية - جامعة الإمام محمد بن سعود
|