الشيخ عبدالعزيز بن إبراهيم آل ابراهيم
من يتأمل تاريخ نجد في القرن الثالث عشر وما بعده يلاحظ أن الأئمة في الدولة السعودية المتتابعة - رحمهم الله - قد استعانوا برجال أكفاء لقيادة الجيوش ورئاسة الأقاليم من أولئك الولاة وأمراء الأقاليم الشيخ المخلص لدينه ودولته الحازم في عمله وإدارته الشيخ عبدالعزيز بن إبراهيم آل إبراهيم - رحمه الله - الذي عينه الملك عبدالعزيز - رحمه الله - أميراً في منطقة أبها ثم أميراً في الطائف كما نقله وعينه في مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم.. هذا ما جاء في مقدمة الكتاب للأستاذ الدكتور إبراهيم بن محمد الزيد وكيل امارة منطقة الباحة سابقاً وأستاذ التاريخ الحديث بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة.. ويأتي هذا الكتاب من ضمن سلسلة اصدارات لجنة المطبوعات في التنشيط السياحي بمحافظة الطائف.
ينتمي آل إبراهيم إلى آل يحيى من آل أبي رماح من آل غزِّي من الفضول من قبيلة لأم من طيء وهم يقيمون في الرياض، وحائل ورنية والطائف، وهم بنو إبراهيم بن عبدالرحمن بن إبراهيم بن حمد بن عبدربه.
الشيخ عبدالعزيز بن إبراهيم
كان عبدالعزيز بن إبراهيم - رحمه الله - واحداً من ستة أبناء للأمير إبراهيم، وخلال وجود الأسرة في مدينة حائل حققت الأسرة وخاصة عبدالعزيز مكانة مرموقة لدى أمير حائل فعندما حاصر الملك عبدالعزيز - رحمه الله - مدينة حائل في عام 1340هـ وضيق المسالك على أهلها وامرائها وساءت أحوال الناس وكثرت معاناتهم، ألح الناس على محمد بن طلال بن رشيد بوجوب مصالحة الملك عبدالعزيز، وما زال به عبدالعزيز بن إبراهيم حتى أقنعه فأعطى خاتمه لعبدالعزيز بن إبراهيم وفوضه في التفاوض مع الملك عبدالعزيز والتوقيع نيابة عنه فخرج ابن إبراهيم من المدينة المحاصرة إلى مخيم الإمام عبدالعزيز وانتهت المفاوضات بأن يسلم ابن طلال ومعه آل الرشيد ويعيشون في كنف الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله - بعيدين عن حائل على أن يعفو عبدالعزيز عن كل من اشترك مع ابن طلال في الحرب من رجال امارته وأتباعه ورعيته ومن والاه عفوا شاملاً، وبعيد الاتفاق جاء محمد بن طلال بن رشيد يرافقه عبدالعزيز بن إبراهيم وسلم نفسه وأعيان قومه للإمام عبدالعزيز في 29 صفر 1340هـ وقد اشترك في المفاوضات والتسليم الأمير عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي - رحمه الله -.
إمارته في أبها
بعد أن انضمت حائل إلى الرياض رجع عبدالعزيز بن إبراهيم إلى بلدة الرياض بناءً على توجيه من الملك عبدالعزيز، وفي عام 1341هـ أي بعد سنة من العودة إلى الرياض بعائلته أمره الملك - رحمه الله - بالتوجه إلى أبها ليعمل أميراً هناك.
إمارته في الطائف:
دخلت القوات السعودية مدينة الطائف يوم 7 صفر 1343هـ ثم توجهت تلك القوات إلى مكة المكرمة بلباس الاحرام غير مقاتلة فدخلوا مكة يوم 17 ربيع الأول من نفس العام، وما كان لعبدالعزيز أن يستقر في الرياض ورجاله وجنده في مكة عرضة للمفاجآت السياسية وتقلب الأحداث فأزمع السير فغادر الرياض يوم 13 ربيع الثاني 1343هـ يرافقه زهاء ثلاثمائة من آل سعود وآل الشيخ وأعيان القوم.. وقبل أن يتوجه من «قرن المنازل» المسمى اليوم السيل الكبير وهو ميقات الاحرام إلى مكة المكرمة محرماً أرسل يستدعي عبدالعزيز بن إبراهيم وكان من بين من رافق الملك في رحلته التاريخية هذه من الرياض إلى مكة المكرمة فأمره بعدم الإحرام وعينه أميراً للطائف في يوم 28 جمادى الأولى 1343هـ فوصل إلى الطائف في ظروف سياسية وعسكرية واجتماعية حساسة بعد معركة «الحوية» ودخول الطائف ومعارك «الهدى» بثلاثة أشهر، وهذا يعني أن مهمة الأمير الجديد أول أمير سعودي للطائف في الدولة السعودية الثالثة توطيد الأمن في الطائف والطرق المؤدية إليها وفي كل القبائل المحيطة وقد اتبع سياسة الحزم والشدة في معاقبة المجرمين خاصة اللصوص وقطاع الطرق، وقاد حملات عسكرية ناجحة لاخضاع قبائل الطائف ونجح في مهمته تلك فأصبح الطائف وما حوله جبهة قوية تدعم صمود الجيش الذي كان يحاصر مدينة جدة من عام 1343هـ إلى جمادى الآخرة عام 1346هـ لقد كان للشيخ عبدالعزيز بن إبراهيم هيبة في القلوب وخاصة قلوب المجرمين، وكان موفقاً وملهماً في الكشف والتعرف على شخصيات مرتكبي الجرائم وتسجيل اعتراضاتهم وذكر ذلك الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله في برنامجه التلفزيوني «نور وهداية».
إمارته في المدينة المنورة
في الثامن عشر من شهر صفر من عام 1346هـ أصدر الملك عبدالعزيز - رحمه الله - أمراً بنقل الشيخ عبدالعزيز بن إبراهيم - رحمه الله - من إمارة الطائف وعينه أميراً في المدينة المنورة.
رعاية الشيخ للأدب والثقافة
يقع مسكن الشيخ في حي «النقا» في المدينة المنورة ويتخذ من سطح المنزل الذي يفرش بفرش بلدي وثير جذاب مجلس سمر في الليل فإلى جانب امتاع الشيخ المجلس فهو يحوي الأدب والتاريخ والذكريات والقصص التاريخية ومذكرات علم وأدب وشعبيات طريفة، وقد رعى مسيرة مجلة «المنهل» حينما كانت فكرة وكان كما يقول صاحبها عبدالقدوس الأنصاري حريصاً كل الحرص على أن تصدر المجلة في سني ولايته في المدينة المنورة وقد كان صاحب المجلة من موظفي ديوان الإمارة حيث عين في الإمارة باختيار الأمير نفسه وكان رحمه الله يقوم برعاية التعليم وكانت الاختبارات النهائية تتولاها لجنة برئآسة أمير المدينة وكانت تستمر شهراً، وكان يرعى حفلات المدارس النهائية في المدينة تشجيعاً للطلاب والمدرسين مثل مدرسة العلوم الشرعية بالمدينة وكان يقوم في نهاية كل عام دراسي بتوزيع الشهادات والجوائز على الطلاب الناجحين والفائزين وقد أشاد به مدير ومدرسو وطلاب المدرسة المذكورة، وقد علق مرة وقد انتهى الخطباء من الالقاء فقال: إني أشكر ناشري العلم لأن به حياة الأمم ورقيها، وأشكر هذه المدرسة والمدرسة الأميرية اللتين تنشران العلوم في هذه البلاد الطاهرة.
من أعماله في المدينة المنورة:
لقد نشر عبدالقدوس الأنصاري وهو مؤرخ وصاحب مجلة «المنهل» سلسلة مقالات في صحيفة المدينة بعنوان «من سيرة الشيخ الحازم الكريم عبدالعزيز بن إبراهيم» وكان مما قاله:
«أنشأ الشيخ طريقاً من المدينة إلى قباء حيث اشترى من حسابه الخاص كل الأراضي التي تقع في ذلك الطريق المتعرج الملتوي إلى جانب وجود بعض النخيل والأشواك من أجل تخفيف عناء زوار المدينة ممن يعبرون هذا الطريق ليلاً ونهاراً مع تعرجه وضيقه، وعلى أهل قباء من الفلاحين والسكان وأهل الدكاكين، وفتح الطريق لأول مرة في تاريخ المدينة ورأى الواقفون على عتبة باب قباء المدينة أمامهم رأساً وكان هذا أحد شوارع البلدة المباركة، وقد تم في منتصف سنة 1351هـ، وأصبح هذا الطريق فتحاً جديداً لباب العمران الحديث في طيبة الطيبة وقد أدخل هذا الفرحة الغامرة إلى قلوب المواطنين فأصبح وما يزال من أهم شوارع المدينة وقد استصدر حجة شرعية بهذا المشروع.
الحفاوة بعالم مجاهد
أقبل إلى مدينة الطائف السيد أحمد الشريف السنوسي الخطابي الإدريسي الحسني صاحب الجهاد في برقة وطرابلس الذي قدم للحج ولزيارة الملك عبدالعزيز الذي حارب ايطاليا وعلى مشارف مدينة الطائف في عام 1344هـ قابله الشيخ ابن إبراهيم وأقام له استقبالاً حاراً لائقاً لعبت الخيل فيه وأطلقت فيه العبارات النارية وهيأ وليمة فاخرة وعرض على السيد النزول عنده في بيته فشكره واعتذر، ولما انتقل عمل الشيخ إلى المدينة قدم إليه فيها السيد في عام 1351هـ ولكنه مرض فتولى رعايته الأمير وأبرق للملك عبدالعزيز برجاء بذل المساعي لدى الحكومة المصرية للإذن للسيد بالعلاج في مصر وتمت الموافقة ولكنها لم تصل إلا قبل الوفاة بيومين حيث توفي يوم الجمعة الموافق 13 ذي القعدة عام 1351هـ في المدينة المنورة، وبعد صلاة العصر وقف الشيخ عبدالعزيز معلنا للمصلين في المسجد النبوي عن وفاة أحمد السنوسي الكبير ودعاهم للصلاة عليه وصلى معهم، وحضر الدفن ووقف على حافة قبره في حزن وبكى وضج الحاضرون بالبكاء.
وفاء الشيخ
عرضت على الشيخ عبدالعزيز بن إبراهيم مرة معاملة فيها سجن الشيخ على برادة وهو من أعيان المدينة المنورة ولّما سأل عنه قيل إنه ولد عباس براده فقال: لا أسجن ولد عباس براده فعباس براده أطلق سراحي عندما سجنني الأتراك.
مع الدكتور محمد حسين هيكل
لقد جاء إلى المملكة العربية السعودية الدكتور محمد حسين هيكل حاجاً وزائراً في عام 1355هـ بدعوة من وزير المالية السابق الشيخ عبدالله السليمان الحمدان - رحمه الله - ولما وصل المدينة المنورة أقام له مضيفة في المدينة وليمة.
وخلال وجوده بالمدينة قال: زرت الشيخ عبدالعزيز بن إبراهيم غير مرة، زرته في ديوان الحكم، وزرته في ذاره، وتناولت طعام الغداء على مائدته، وشاركته في طعام خفيف آخر الأمسية التي دعاني إليها ابنه إبراهيم.
ويرى الدكتور هيكل أن قسوة الأمير كانت على المجرمين وقطاع الطرق الذين كانوا يتخطفون الناس حول الحرمين.
النقل لمجلس الوكلاء
وبعد عمل حافل بالجد والنشاط ما يقرب من عشر سنوات أصدر الملك عبدالعزيز - رحمه الله - أمراً بنقل عبدالعزيز بن إبراهيم من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة ترفيعاً ليعمل عضواً في مجلس الوكلاء في اليوم الثالث من شهر صفر عام 1355هـ وهذا المجلس كان يقوم مقام مجلس الوزراء في عهد الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - وكان المجلس يعقد برئاسة الملك فيصل بن عبدالعزيز - رحمه الله-.
وفاته:
لقد استمر الشيخ عبدالعزيز بن إبراهيم يعمل في مجلس الوكلاء بمكة المكرمة بعد نقله إليه من امارة المدينة النبوية حتى أصابه مرض لأزمه أشهراً فسافر إلى مصر للعلاج وقد صحبه في رحلة العلاج هذه ابنه معالي الشيخ إبراهيم وهناك في مصر توفي الأمير عبدالعزيز في عام 1365هـ 1946م - رحمه الله - عن عمر لا يزيد عن الخامسة والسبعين سنة.
وقد تناول المؤلف في الكتاب أيضاً شذراً من حياة الراحل كالحديث عن ابنائه والوظائف الإدارية التي تقلدها ورسائله الخطية وأقوال المعاصرين فيه كالأساتذة عبدالقدوس الأنصاري وحمد الجاسر وعلى الحافظ ومحمد بن عبدالله بن بليهد - رحمهم الله -.
وقد أثنى معالي محافظ الطائف الأستاذ فهد بن عبدالعزيز بن معمر على هذا الكتاب وقال:
لقد أحسن الأستاذ الدكتور إبراهيم بن محمد الزيد صنعاً بهذا السفر الجليل عن حياة هذا الأمير، وهي حياة حافلة بالجد والعمل المخلص الدؤوب الذي كان يعرفه المؤسس - رحمه الله - في رجاله ورفقاء دربه.. وعلى هذا الأساس، كان ينتقيهم ويوليهم المهام الجسام. فالشيخ عبدالعزيز بن إبراهيم كلف بامارة الطائف، في فترة التأسيس التي تخطت حدود نجد إلى الحجاز، فقد تولى امارة الطائف في الفترة من «28 جمادى الأولى 1343هـ» إلى «18 صفر 1346هـ». وكانت تلك من أحرج الفترات التاريخية، حيث عمل - رحمه الله - على اتباع سياسة الحزم والشدة في معاقبة المجرمين.
خاصة اللصوص وقطاع الطرق، وأرسى قواعد ثابتة من الأمن والاستقرار للقوات التي زحفت على مكة والمدينة وجدة انطلاقاً من الطائف.
والسنوات الثلاث لامارة ابن إبراهيم للطائف، سهلت مهمة الأمراء الذين أتوا بعده على هذه المدينة التي تحتل مكانة استراتيجية بين وسط الجزيرة العربية وشرقها وشمالها، فهو يعد من الأمراء الأعلام في تلك الحقبة المهمة في تاريخ الدولة السعودية الثالثة.
رحم الله الملك عبدالعزيز الذي كان يحسن اختيار الرجال، ورحم الله الشيخ عبدالعزيز بن إبراهيم، الذي ساهم بشكل واضح في تثبيت الأمن، وتعزيز الاستقرار، سواء في الطائف، أوفي عسير والمدينة المنورة وحفظ الله ملك هذه البلاد، خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين، وسمو النائب الثاني ووفق صاحب السمو الملكي الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز آل سعود، أمير منطقة مكة المكرمة الذي لا يدخر وسعاً لدعم كافة الجهود البناءة، من أجل تطوير محافظة الطائف، ورقي أبنائها الأوفياء.
|