Wednesday 5th february,2003 11087العدد الاربعاء 4 ,ذو الحجة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

مركاز مركاز
رجال المهنة الواحدة
حسين علي حسين

استحضر ما كنت أراه منذ سنوات في المدينة المنورة، وربما في مدن أخرى، داخلياً وخارجياً، ولا أدري هل أضحك الآن على حالنا أم أبكي، فقد كان المواطن في السابق يعمل في مهنة واحدة، إذا خرج منها تاه، أو جلس في المنزل سنوات دون عمل. كان رجل في حارتنا يعمل في نقش الحجارة، لديه ازميله الخاص، يحمله كلما خرج من المنزل صباحاً، وإذا جاء المغرب، آب إلى منزله، لينام حتى الفجر، ثم يخرج إما إلى العمل الذي لم ينته منه، وإما إلى باب المصري، أو سوق البرسيم، حيث يقف هناك مع الباحثين عن عمل، وإذا جاء الضحى، ولم يجد من يأخذه من المعلمين، لعمل جديد، عاد إلى منزله، أو ذهب إلى المقهى، وهو مكان الفرصة الأخيرة، للبحث عن عمل، فهناك يجتمع معلمو البناء، ليتدارسوا أحوالهم، أو البحث عن عامل في جزئية معينة، يحتاجونها، وهذا الذي يشتغل قراريا، أو نقاش حجر، عادة ما يكون يومه هو عيده، كما يقولون في المفردة العامية الحجازية، بمعنى أنه لو بقي أياماً بلا عمل، فإن الديون والهموم سوف تغطيه، وربما تجعله قعيد المنزل!!
أما لو نزلت إلى «الخان» وهو المكان الذي تباع فيه الخضروات واللحوم، فسوف تجد كل بائع وقد تخصص في شيء واحد محدد، فهناك بائع النعناع بكافة أنواعه، وهناك بائع الليمون، وبائع البصل والثوم، وبائع اللحم الحري أو الغنمي، وهناك بائع اللحم الجملي، وبائع اللحم البقري، فكل شيء له أهله، لا يوجد بائع يبيع كافة أنواع اللحوم، أو كافة أنواع الخضروات، حتى الأجزاء الداخلية للذبيحة، هناك باعة متخصصون فيها، مكانهم في العادة بجانب البوابة الخارجية للخان، حيث تجد بائع الرؤوس، وبائع الكرشة، والكلاوي، وكل جزئية من هذه الجزئيات، لها زبائنها الذين يقبلون عليها بعناية وحرص!
أما لو نزلت إلى الأسواق العامة، فسوف تجد هناك جانباً آخر من جوانب التخصصات المهنية، هناك الحداد والصنافيري والفلتي، وصانع الأحذية الحضرية، وصانع الأحذية البدوية، وصانع الفخار، وأغطية الفخار، ومصلح الدراجات، والأقفاص، وأواني الشاي، وعامل جلي القدور والدلال والصحون، كل مهنة من هذه المهن، لها عمالها المتخصصون فيها، أخذوها أباً عن جد، وقد سقط العديد من هؤلاء الأشخاص، عندما جار الزمن على مهنهم، فانقرض بعضها، وقل الطلب على البعض الآخر!
ولو اتجهت للجهة الغربية من المدينة، فسوف تجد هناك من جلس وأمامه قرب السمن البلدي والأقط واللبن، منتجات كانت تأتي في مواسمها فقط، ثم تتوارى لتعود من جديد، وكان الذواقة ينتظرونها ويتحينون أوقاتها.. ومن السمن والأقط، إلى المحلات المتخصصة في صناعة الخل والطحينة والمشبك والحلاوة اللدو والحلاوة الطحينية وغيرها من المقبلات، التي يقبل عليها الناس في أوقات محددة مثل الأعياد ومنتصف شعبان وفي مواسم الزواجات.. ومن الحلو إلى المالح، ستجد سوقاً متخصصة في كافة المأكولات، وكل أكلة من هذه الأكلات لها صناع، تخصصوا فيها ولم يحيدوا عنها أبدا.. فإذا أردت الفول فسوف تجد أحسنه عند فلان، وكذلك الهريسة، والمقادم، والكبدة، والمندي.. كل هذه المهن كان يقوم عليها المواطنون من المعلم إلى العامل، ولم تكن هناك بطالة على الإطلاق، لأن الكل كان يدرب من يحتاج للتدريب، حتى يتقن الصنعة، ويصبح معلماً في الجزئية التي تدرب عليها!!ولك أن تقارن أحوال زمان بأحوالنا ولك أن تضحك أو تبكي، وأنت تقرأ عن بطالة وصلت إلى 20% ورجال أعمال يطلبون ممن يتقدمون إليهم عشرات الحيثيات ليقبلوا بهم، في الوقت الذي تصرف الشركات الأجنبية ملايين الدولارات لتدريب من يلتحقون بالعمل لديها، أما شركاتنا فإنها تريدهم على الفرازة وإلا فإن الأجانب جاهزون للقدوم والعمل ينتظرهم وقبل ذلك التدريب والمزايا!!

فاكس: 4533173

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved