لعل السبب الأكبر للخوف والاسترابة من أمر ما هو الجهل به، وطوق الشائعات والغموض الذي من الممكن أن يطوِّقه ويحصره في إطار من الرفض التام وعدم التقبُّل.
وفي وقت ما كان المذياع مرفوضا، وسمي ب«ابن الشيطان»، واليوم هذا المذياع نفسه بل شكله الأكثر تطورا ينقل الصلوات لجميع العالم الإسلامي.
كذلك التلفاز ولاحقا الفضائيات، فكما تروي حكايات المجالس الشعبية أن لفترة قريبة كانت الصحون الفضائية تغطي عبر بناء أسوار حولها، والعائلة التي فوق سطحها صحن لاقط يعزف بعض الشباب من الزواج ببناتها، والانترنت إلى الآن لم يحسم القرار بشأنه فهو يتراوح بين القلق والاسترابة.
على حين نصل في النهاية إلى انها مجرد أوعية تعيد تصدير ما عبئت به، ويتحول الأمر جميعه الى ذعر غير مبرر من كل ما هو جديد وطاريء.
عموما الخوف الشديد وردود الفعل العنيفة هي إشارة إلى هشاشة داخلية وعدم امتلاك الدروع الفكرية والنفسية التي تساعد على غربلة العالم الخارجي وفهرسته، دبل والانتماء إليه مع المحافظة على خصائص الهوية وعدم الذوبان في الآخر.
وهو يشبه وضع الاطفال الخدج داخل الحاضنات الزجاجية، هواء صناعي غذاء محدد ومدروس، وإقصاء عن العالم الخارجي بحجة الحماية، لأن الخارج ليس إلا شر مطلق.
والغريب في الأمر بأننا نمتلك هوية ثقافية عريقة وعميقة وعمرها عدة مئات من السنين تلك الهوية التي قدرت أن تقارع عوامل التعرية وجور السنين وتحديات الزمن.
هذه الهوية قادرة على المشاركة بالركب العالمي وهي حرة محلقة كنسر، بأجنحة قوية، وبنية متينة، وما يحدث من عمليات التطويق والوصاية، هو عملية حجر صحي لكائن مريض أو عليل مزمن، وليس حضارة يتجاوز عمرها مئات من السنين الخصبة القوية المؤثرة والمتأثرة الفاعلة والمغيِّرة في التطور الحضاري.
|