تحقيق م. خالد السليمان
تشهد الأحياء في مدينة الرياض ظاهرة قلما تلاحظ في المدن الأخرى وتتمثل هذه الظاهرة في تهالك القيمة العقارية للمباني السكنية بعد التطوير الكامل للحي. ويمكن القول ان هذه الظاهرة ملاحظة في معظم أحياء المدينة، ويبدو أن أفضل قيمة للعقار السكني في هذه الأحياء هي القيمة التي يباع فيها العقار بعد اكتمال انشائه مباشرة.. وكل يوم يمر بعد اكتمال بناء العقار السكني يساهم في انخفاض قيمته.. وتتدهور قيمة العقار السكني بشكل ملحوظ في حالة استخدامه كمسكن سواء عن طريق التأجير أو البيع للغير.. فبينما يلاحظ في العديد من العواصم العالمية أن القيمة العقارية للمباني السكنية تزداد سنة بعد سنة نجد أن العكس هو الصحيح في أحياء مدينة الرياض فحول هذا الموضوع الهام والذي نشر كبحث بعنوان تهالك القيمة العقارية للمباني السكنية في أحياء مدينة الرياض: الأسباب والحلول في المؤتمر الهندسي السعودي السادس المنعقد بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن تحدث ل«الجزيرة» الدكتور خالد السكيت الأستاذ المشارك بكلية العمارة والتخطيط بجامعة الملك سعود ورئيس فريق تطوير الأحياء السكنية بالغرفة التجارية الصناعية بالرياض وعضو اللجنة العقارية قائلاً: كان الهدف الرئيسي لهذه الدراسة يلخص في محاولة استكشاف ظاهرة عقارية خاصة بالمساكن في مدينة الرياض على وجه الخصوص وفي المدن السعودية الأخرى على وجه العموم. وهذه الظاهرة تتلخص في تهالك قيمة العقار السكني بعد استخدامه مباشرة. وهذا التهالك يؤدي بصفة عامة إلى تهالك الحي السكني والذي قد يؤدي إلى التهالك العمراني العام على مستوى المدينة. وحيث انه لم يسبق أن تمت دراسة هذه الظاهرة على مستوى مدينة الرياض فإن هذه الدراسة ستمثل اضافة جديدة في هذا السياق. وتمثل هذه الظاهرة نوعاً من التناقض العقاري حيث ان أسعار الأراضي هي بارتفاع في الغالب بينما يدب الانخفاض في قيمة العقار بعد تطوير الأرض! وكانت أسئلة البحث الرئيسية تتلخص فيما يلي:
ما هو السبب الرئيس لتهالك القيمة العقارية للمسكن بعد استخدامه؟ وهل هناك علاقة بين ظاهرة التطوير الانفرادي السائدة وغياب التطوير المتكامل في تهالك القيمة العقارية؟ وأخيراً هل هنالك أية علاقة بين غياب الأرصفة المظللة والآمنة للمشاة وانخفاض القيمة العقارية للمسكن بعد استخدامه؟
وعن نوعية الدراسة وطبيعتها أضاف الدكتور السكيت بقوله: على الرغم من أن الدراسات العقارية تعتبر جزءاً مهماً من الدراسات العمرانية في كثير من دول العالم إلا أن هذا النوع من الدراسات يعتبر قليلاً ونادراً في كثير من الأحيان في المدن السعودية. فهنالك دراسات محدودة جداً ظهرت في هذا المجال لم تتعامل مباشرة مع سعر العقار السكني وأسباب هبوطه، ونظراً لأن هذه الدراسة تهدف إلى تحليل أسباب هبوط سعر العقار السكني بعد استخدامه فقد اعتمدت كثيراً على معلومات كمية ونوعية تم جمعها من العقاريين خصيصاً لهذا المبحث. فكما هو معروف فالدراسات الأصيلة تكون إما استكشافية «أي تستكشف موضوعاً لم يوضح من قبل»، أو وصفية «تصف موضوعاً تم توضيحه ولكن لم يتم وصف مكوناته»، أو تحليله «أي تحلل الأسباب التي ساهمت في تكون الصفات الخاصة بالموضوع ذاته»، وحيث ان هذا البحث هو تحليلي فهو سيعتمد كثيراً على تحليل المعلومات التي تم جمعها لتحديد الأسباب الحقيقية وراء هبوط سعر العقار السكني بعد استخدامه.
أما عن قيود ومحددات الدراسة فأضاف الدكتور السكيت بأن حجم العينة قد يكون هو أكبر المحددات والقيود على هذه الدراسة حيث انه تم جمع 81 استبياناً من أصل 870 استبياناً تم توزيعها على المكاتب العقارية والاستشارية الهندسية، وعلى الرغم من أن هذه العينة تعادل حوالي 9% من مجتمع البحث وهي عينة كبيرة نسبياً إلا أنه يجب النظر إليها والتعامل معها على أنها عينة استقرائية بصفة عامة، وهذه طبيعة الدراسات الاستكشافية والتي تتعامل مع قضايا ومواضيع بحثية لم تطرق كثيراً في السابق فإن مستوى التجاوب معها يكون أقل من تلك التي دُرست ونوقشت وتكونت لدى المجتمعات البحثية خلفية كافية تشجع المشاركة فيها.
وأضاف بأن سوق التطوير العقاري السعودي يشهد نموا مستمراً على الأخص في مناطق الوسطى والشرقية والغربية والتي استأثرت تقريباً بحوالي 98% من رخص البناء في عام 2000م وذلك بعد ركود محدود في عام 1999م. وتعتبر بداية التسعينات وعلى الأخص في عام 1994م ذروة الاستثمار العقاري في المدن السعودية «المركز الاستشاري السعودي 2001م» ورغم كل ذلك فما زالت الدراسات العقارية بهذه الشأن محدودة جداً. وكل المؤشرات تؤكد الطرح الرئيسي لهذا البحث وهو أن القيمة المالية للوحدة العقارية السكنية تتهالك بمجرد استخدامها. ويستثنى من ذلك بعض المشاريع المحدودة جداً والتي غالباً ما تكون ضمن سور مغلق وغيرمفتوح للعامة. فقد وجد كامل أن القيمة المالية للوحدات السكنية التي طورها ضمن مشروع البيوتات بجدة تتزايد قيمتها سنوياً بمقدار 12% تقريباً «كامل 2000» وهي ظاهرة نادرة في سوق العقار السعودي مما يجعلها تجربة يجب الاستفادة منها.
وقال أما في أمريكا الشمالية فهنالك عدد من الدراسات التي تعرضت لسعر الممتلك العقاري مثل دراسة كيل وكارسون (Kiel@ Carson, 1990) ودراسة كيس وشلر (Case @ Shiller, 1987) ودراسة ميلر وسكلارز (Sklars.1987 Miller @) ودراسة مانتق (Manning, 1986) ودراسة ثوماس وكولويل (Thomas@ Colwel,1982) وقد أوضحت هذه الدراسات طبيعة السوق العقاري وكيف أن أسعار العقار السكني بصفة عامة تتزايد حسب المؤثرات والمتغيرات المحيطة حيث ان لكل مدينة أو منطقة عمرانية طبيعتها الخاصة التي تلعب دوراً مهماً في تحديد نسبة التزايد.
وأوضح الدكتور السكيت بأن هذه الدراسة اعتمدت على المعلومات التي جمعت من خلال استبانة صممها بنفسه خصيصاً لخدمة غرض هذه الدراسة ووزعت من قبل اللجنة العقارية بالغرفة التجارية السعودية واللجنة الهندسية على المكاتب العقارية والمكاتب الهندسية على جميع المكاتب الأعضاء في هاتين اللجنتين، كما استفادت هذه الدراسة من وجهات نظر بعض كبار المستثمرين في المجال العقاري المرتبطين بالغرفة التجارية الصناعية بالرياض، أما بالنسبة لمصادر المعلومات الأخرى فقد كانت المعلومات الثانوية المحلية شحيحة جداً حيث تم الاستفادة من بعض الدراسات ذات العلاقة والتي تم التطرق إليها سابقاً.
وأضاف بأنه مما سبق تم استخلاص أن هذه الدراسة غطت مجموعتين سببيتين يجب التفريق بينهما وهما أسباب تدهور سعر العقار السكني كمبنى «مثل جودة التنفيذ» والأسباب التي تحافظ على سعر العقار كعنصر من عناصر الحي السكني «مثل أسلوب التطوير وطريقة الرصف والتشجير» والتي ترسم بدورها الصورة النهائية للمستوى النوعي للحي بعد التطوير.
أسباب هبوط
سعر العقار السكني
وأكد بأن سوء التنفيذ يتصدر قائمة الأسباب مما يثير علامة استفهام مهمة في سوق البناء والتعمير فعلى الرغم من أن مدننا حديثة بالمقاييس العالمية فما الذي يجعل مستوى التنفيذ منخفضاً لدرجة تساهم في خفض قيمة العقار السكني؟ هل هو غياب صناعة بناء قياسية أم هو غياب كود بناء قياسي؟ كل هذه الأسئلة مهمة جداً ولكنها خارج نطاق هذا المبحث وبالتالي فلن نتعرض لذلك كثيراً.
كما أكد على ملاحظة نقطة مهمة في اجابة مجتمع البحث وهي تركيزهم على الأسباب التي لها علاقة مباشرة بالمبنى نفسه دون الاهتمام بالبيئة التي تقع خارج المسكن والتي تلعب دوراً مهما في الحفاظ على القيمة العقارية للمبنى. وقد يكون أحد الأسباب لذلك هو عدم تعود الناس في بيئتنا على الاهتمام بما هو خارج مساكنهم لاعتقادهم أن الجهاز البلدي هو المسؤول الأول والأخير عن مثل هذه الأعمال.. وهذا التوجه للأسف في عدم انتماء الانسان لبيئته العمرانية وبالتالي تكون هذه البيئة أكثر استعداداً للتهالك والتدهور العمراني.
وأما عن تأثير الزمن على سعر العقار فأوضح بقوله: يكاد يتفق معظم مجتمع البحث الذي تم استبيانه أن العقار السكني يستمر في الانخفاض خلال السنوات الثلاث الأولى بعد استخدامه حيث تتراوح نسبة الانخفاض من 5% إلى 10% سنوياً خلال هذه الفترة، وهذه النسبة قريبة جداً من قيمة تأجير العقار مما يعنى أنه في بعض الحالات لن يكون هنالك فرق كبير بين الأستئجار أو التملك بالنسبة للمستهلك إذا كانت مدة الاستئجار في حدود الثلاث سنوات، وبمعنى آخر فلو أن شخصاً لديه مليون ريال ويرغب في شراء مسكن معروض للبيع قيمته مليون ريال فإذا كانت قيمة التأجير لهذا المسكن أقل من 5% فإن استئجاره لهذا المسكن لمدة ثلاث سنوات ثم شرائه لا يعني تغيراً كثيراً فيما لو اشتراه بالسعر الأول مباشرة بل الاستئجار قد يوفر له جزءاً كبيراً من رأس المال الذي يمكن استثماره في مجالات أخرى.
وقال بأن ظاهرة انخفاض سعر العقار السكني جديرة بالاهتمام على الأخص أنها لا تكاد توجد في مدن العالم المتقدم.
فبالنظر إلى حالة العديد من المدن الأمريكية فإن مدينة الرياض تأخذ خطأ معاكساً في هذا الاتجاه، فبينما تكون الزيادة في سعر العقار السكني في المدن الأمريكية تتراوح من حوالي +200% إلى + 17% في العقد الزمني الواحد تكون في مدينة الرياض في حدود 20% إلى 50% بناء على ما تم استنتاجه من هذه الدراسة ورأي المختصين بهذا المجال.وهناك مدلولات كثيرة أهمها أن سوق العقار في مدينة الرياض لا يعتبر سوقاً مثالياً وبحاجة إلى العديد من الدراسات لشرح هذه الظاهرة التي اختص بها هذا السوق.
وتحدث الدكتور السكيت في بحثه عن أهمية تطوير الحي بأسلوب متكامل للمحافظة على سعر العقار قائلاً:
يلعب أسلوب تطوير الحي دوراً مهماً في الحفاظ على سعر العقار السكني والأمثلة على ذلك كثيرة في العديد من دول العالم فعلى سبيل المثال فإن أسعار العقار السكني في حي كنت لاند Kent Land والذي يقع في ضواحي العاصمة الأمريكية واشنطن وبالتحديد في مدينة فيثر زبيرغ Gaithersberg يتضاعف سعر الوحدة السكنية فيه عن الوحدات المماثلة في المناطق المحيطة فيه والسبب في ذلك هو التميز في التخطيط والتميز في التطوير، أما ما يحدث في مدننا بما في ذلك مدينة الرياض فإن التطوير الانفرادي المبعثر والذي يستغرق في بعض الحالات ما يقارب ربع قرن حتى يتم بناء الغالبية العظمى من الوحدات السكنية فإنه يلعب دوراً رئيسياً في تدهور سعر العقار السكني بعد استخدامه.
التطور الانفرادي وغياب الحي
يتم تطوير الأحياء في مدننا بطريقة انفرادية كل يبني بيته بنفسه وتستمر العملية هكذا لمدة طويلة قد تصل إلى أكثر من 25 سنة والنتيجة هي تجمع سكاني بدون حي وتهالك عام للبيئة العمرانية في الحي السكني مما يؤدي حتماً إلى انخفاض سعر العقار.
البيئة العمرانية الراهنة
للحي السكني
هناك أزمة التطوير الصحيح في أحيائنا فيلاحظ أن الجزء المسفلت يسيطر على الحي ويلاحظ أيضاً عدم وجود رصيف للمشاة كما يلاحظ أيضاً أن الأشجار قريبة جداً من السور مما يعني حتمية ازالتها متى ما كبرت وبدأت تعطي فائدتها للحي.. فكيف لبيئة مثل هذه أن تكون آمنة للمشاة وإذا اختفت بيئة المشاة اختفت فكرة الحي الآمن برمتها.
وقال من أجل أن يكون التجمع السكني حياً سكنياً فيجب أن تتوافر فيه عدة شروط أهمها: أن تكون معظم الاستخدامات فيه سكنية حتى يتمتع الساكن بالهدوء والراحة وأن يكون لهذا الحي حدود واضحة وأن يكون له مركز وان يكون له مداخل محددة وان توجد به شبكة من الطرق الانسانية والتي تشمل ممرات مشاة وأرصفة جانبية تربط جميع الوحدات السكنية ببعضها وبالمركز أيضاً.. ولكن التجمع السكني يكاد يشبه ورشة بناء تعمل لمدة قد تتجاوز ربع قرن وهذا يعني أن جيلاً كاملاً من الناس قد لا يعيشون حياة الهدوء في مثل هذه التجمعات. أما ما يتعلق بالمركز فعادة ما يكون في مثل تلك الأحياء مسجد وحديقة تلعب دوراً قريباً لدور المركز.. وفيما يتعلق بالاشتراطات الأخرى مثل الحدود والمداخل والأرصفة المناسبة للمشاة فهي لا تكاد تكون موجودة.. وغياب هذه العناصر يساهم بدون أدنى شك في تهالك الحي من الناحية العمرانية وبالتالي من ناحية القيم والأخلاق.
وأردف بأنه يرى 66% من مجتمع بحث هذه الدراسة ان وجود الأشجار الكبيرة ذات الظل تساهم في المحافظة على قيمة العقار السكني بعد استخدامه.. والأشجار مهمة في نضوج الحي السكني لأنها العنصر الوحيد في الحي الذي يكبر مع الزمن وتزداد فائدته للساكنين.. فهو يوفر الظل الجيد وعلى الأخص في فترة الصيف الحارة جداً في مدننا كما أنه يلعب دور الساتر الطبيعي بين الوحدات السكنية مما يوفر خصوصية طبيعية للساكنين هذا بالاضافة إلى الدور المهم الذي تلعبه تلك الأشجار في تنقية الهواء وتجميل البيئة العمرانية، ولكن وللأسف فإن طريقة اختيار الأشجار وزراعتها غير منظمة في احيائنا فهي غالباً ما تكون موضوعة في رصيف وقريبة جداً من السور وبمجرد نموها إلى حجمها الطبيعي تبدأ تؤثر على السور لدرجة قد يضطر معها صاحب المسكن إلى قطعها وبالتالي خسارة الحي إلى أحد أهم عناصر النضوج فيه.
وقال بأن وجود الأشجار في موقعها الصحيح وتصميم الرصيف وممرات المشاة لتكون ميسرة لكل فئات المجتمع سواء الأطفال أو النساء أو الشيوخ أو المعاقين يلعب دوراً كبيراً في اظهار مظاهر الحياة في الحي السكني.. وقد سما الحي حياً بافتراض وجود الحياة فيه.. والحياة تظهر في الحي السكني إذا كانت أماكن المشاة ميسرة وآمنة لأفراد الحي.. وفي مدننا الصحراوية تكون ممرات المشاة ميسرة إذا كانت عريضة «على الأقل 120 سم» وذات منسوب ثابت وليس فيها عوائق وكانت مظللة بالأشجار الكبيرة.وقال بأن وجود ممرات وأرصفة مشاة مشجعة داخل الحي وتلعب دوراً كبيراً في تعزيز القيم الاجتماعية داخل المجتمع السكني فالناس إذا بدأت تعرف بعضها البعض بالوجه فإنها تبدأ أيضاً باحترام مشاعرهم وهذا يؤدي إلى زيادة الاحساس بالأمان داخل الحي وخاصة للسيدات والأطفال. ولكن من الصعب للناس داخل الحي أن تعرف بعضها إذا كانت بيئة المشي سيئة أو غير آمنة أو متهالكة! لقد أكد 80% من مجتمع البحث أن وجود أرصفة عريضة ومظللة بالأشجار سيساهم كثيراً في الحفاظ على سعر العقار السكني بعد استخدامه، وحين سؤال المستبينين عن دور الحي الآمن الذي تستطيع أن تمشي فيه المرأة والطفلة والطفل والشيخ الكبير بسهولة ويسر وعلى أرصفة عريضة ومظللة بعيدة عن تهور السيارات والساقطين فقد أكد 94% منهم أن ذلك سيكون سبباً قوياً جداً في الحفاظ على القيمة العقارية للمسكن، ان اتفاق معظم مجتمع البحث من مهندسين وعقاريين على أن الحي الآمن سيلعب دوراً مهماً في الحفاظ على سعر العقار السكني يمكن دعمه بشواهد حية من بيئتنا العمرانية ففي محاضرة للمهندس عبدالعزيز كامل عن مشروع البيوتات والذي قام بتطويره في جدة أوضح السيد كامل بالتجربة الفعلية ان قيمة المسكن في هذا الحي تزايدت سنوياً بنسبة 12% ما بين عامي 1991 إلى 1995 «وهي الفترة التي تم فيها مبايعات عقارية» وهذه الحالة لا توجد حسب أفضل المعلومات التي لدينا في أي تجمع سكني آخر في بلادنا «شريطة أن يكون هذا الحي مطوراً من قبل القطاع الخاص ويمكن البيع والشراء فيه بصكوك شرعية» «كامل 2000م» وعند زيارتنا لهذا الحي الصغير أو المجمع السكني ان صح التعبير وجدنا أساسيات الحي التي تحدثنا سابقاً عنها ووجدناه أيضاً حياً آمناً.
وأما عن التطوير الانفرادي فأوضح الدكتور السكيت بقوله التطوير الانفرادي لأحيائنا السكنية قد ساهم بشكل كبير في تدهور القيمة العقارية للوحدات السكنية التي تقع ضمنها، فالقيمة العقارية لأي مسكن ترتبط بشكل بديهي بمستوى الحي الذي يقع فيه.. وكما هو معروف فإن هنالك عدة عناصر مهمة جداً تلعب دوراً كبيراً في سعر العقار في مدينة الرياض سواء كان ارضاً أم مسكناً وهذه العناصر تشمل:أولاً: نوعية الحي وسكانه «بما في ذلك المجاورون للعقار نفسه» وتوفر المرافق والخدمات فيه.
ثانياً: سهولة الوصول إليه والخروج من الحي بالنسبة للأجزاء المهمة من المدينة.
ثالثاً: عدد واجهات العقار وتوجيهها المفضل «شرقي، جنوبي ، شمالي، غربي».
رابعاً: مستوى الأرض بالنسبة للحي ككل من حيث الارتفاع والانخفاض.
خامساً: إذا كان العقار مبنى فمما لا شك فيه أن مستوى التنفيذ ومواد التشطيب والمساحة المبنية وطريقة التصميم تلعب جميعها دوراً كبيراً في تسعير العقار.
وأضاف بقوله كما هو ملاحظ فإن نوعية الحي ومستواه تأتي دائماً في المقام الأول عند تحديد سعر العقار وهذا هو أحد الأسباب الرئيسية التي تفسر ظاهرة انخفاض قيمة العقار السكني المستخدم في مدينة الرياض حيث أفاد 77% من مجتمع البحث أن التطوير الانفرادي يساهم بشكل كبير في تدهور القيمة العقارية للحي ككل وللوحدة السكنية على وجه الخصوص، ومن الأسباب العامة الرئيسية لحدوث التطوير الانفرادي وما ينتج عنه هو غياب فكرة مجلس الحي واتحادات الملاك، وهنالك أسباب رئيسية أخرى تجعل التطوير الانفرادي سبباً في تدهور قيمة العقار السكني كما يلي:
1- يستغرق التطوير الانفرادي فترة طويلة جداً قد تصل إلى أكثر من 25 سنة وهذا بسبب أن كل شخص يبني مسكنه حسب ظروفه المالية وحاجاته العائلية ونظراً لاختلاف هذه الظروف بين الناس فمن الصعب جداً أن نتوقع من مئات بل آلاف الملاك المتفرقين أن يتفقوا على بناء حيهم في فترة زمنية محددة.
2- بسبب كثرة العمالة والآليات التي تدخل الحي لفترة طويلة ومتقطعة يضعف عنصر الهدوء والخصوصية في الحي ويصبح صوت الحفر والردم جزءاً من الحياة في الحي.
3- بسبب حركة الآليات والعمل الانشائي للمباني المختلفة تزداد نسبة التلوث الغباري بسبب تطاير الأتربة التي تصاحب عمليات الانشاء.
4- بسبب ان كل شركة مرافق «كهرباء، ماء، تلفون» تتعامل مع صاحب المسكن انفرادياً فإن هذه الشركات تضطر إلى زيارة نفس الحي مئات بل آلاف المرات من أجل ايصال هذه المنافع الضرورية لكل عقار يتم انشاؤه.. وهذه الزيارات ينتج عنها في الغالب اعادة حفر ورصف الطريق نفسه مما يجعل الطريق يظهر بعد فترة قصيرة وكأنه قد نفذ من فترة طويلة جداً بسبب الانخفاضات والارتفاعات التي تحدث بعد الحفر والتنفيذ.
5- عدم تجانس المباني مع بعضها وعلى الأخص فيما يتعلق بأسلوب التشطيب واختيار الألوان.
6- اختلاف أعمار المباني بسبب طول فترة التطوير مما يؤدي إلى تناقضات كبيرة سواء في المظهر الخارجي أو الداخلي.ولهذه الأسباب وغيرها مما لم نتمكن من الاحاطة به فإن التطوير الانفرادي يمثل سبباً رئيساً لتهالك الحي السكني سواء من الناحية العمرانية أو من ناحية القيمة العقارية للمسكن. ولقد تأكد من خلال اجماع 85% من مجتمع البحث من مهندسين وعقاريين على أن التطوير المتكامل للحي السكني هو أفضل بكثير من التطوير الانفرادي وعلى الأخص فيما يتعلق بالحفاظ على القيمة العقارية للمسكن. وفي غياب مجلس الحي واتحادات الملاك فإن التطوير الانفرادي يلغي فرصة متابعة هذا التطوير من قبل مجالس الأحياء أو اتحادات الملاك بطريقة تقلل من الطريقة العشوائية في التطوير، كما ان هذا الغياب يساهم أيضاً في اضعاف فرصة صيانة الحي بطريقة توافي احتياج ساكنيه حيث انهم الأعلم والأقرب لمشاكل وخصوصيات منطقتهم السكنية.وأما عن توصيات هذا البحث فقال الدكتور السكيت:
هذا البحث أوضح بأن الأحياء في مدينة الرياض بحاجة ماسة إلى تطوير آلية سريعة وآنية للحد من ظاهرة تهالك سعر العقار السكني بعد استخدامه كما أن الحاجة أيضاً ماسة إلى وضع آلية استراتيجية للتعامل مع المشكلة على المدى الطويل. وبناء على ذلك فقد تم تطوير التوصيات التالية:
1- إعداد مخططات انسانية لكل حي سكني قائم لأنسنته وتنفيذ هذه المخططات بأسرع فرصة، وتشمل هذه المخططات التنفيذية العديد من العناصر مثل تحديد ممرات المشاة التي يجب رصفها، توزيع الأشجار الظلية في الشوارع، تحديد الألوان التي يمكن أعادة الطلاء بها..الخ.
2- إعداد ضوابط عمرانية تحكم نوعية التطوير لكل وحدة سكنية وتحد من ظاهرة التطوير الانفرادي.
3- تطوير آلية لانشاء مجلس الحي السكني واتحادات الملاك وتوفير الصلاحية القانونية لممارسة دورها في الحفاظ على الحي السكني وتطويره.
4- تسهيل الاجراءات البلدية الخاصة بالتطوير المتكامل للحي السكني وتشجيع المطورين للدخول في هذا المجال بقوة.
5- توفير آليات التمويل المناسبة لتسهيل التطوير المتكامل للحي وتسهيل شراء المواطنين للوحدات المطورة بقروض طويلة الأجل.
6- اعطاء المطورين الصلاحية النظامية والزامهم بإدارة أي حي يتم تطويره لمدة زمنية كافية «في حدود خمس سنوات» لضبط التطوير المناسب في الحي.
|