|
|
التقيت أحد الاخوة الكرام القادمين حديثا من احدى الدول العربية التي تعاني من مشاكل أمنية ومن غياب شبه كامل للسلطة المركزية مما ساهم في نشوء صراع قبلي وفئوي تسعى من خلاله كل جماعة أو قبيلة الى فرض ارادتها بقوة السلاح بغض النظر عن الخسائر المادية والبشرية التي يتحملها أفراد المجتمع. وفي معرض حديثه عن واقع البلاد أشار الى أنه في ظل الاضطرابات الأمنية وفي ظل التناحر بين فئات المجتمع لم يعد للطموح التنموي بكافة أشكاله مكان في سلم اهتمامات المواطن ولم تعد للحياة المدنية تلك الرائحة الزكية التي يملؤها التفاؤل بتحقيق مستقبل زاهر ينعم بخيراته الأبناء والأحفاد. وأضاف: أن الحياة المستقرة التي تنعم بها المجتمعات البشرية هي السر الحقيقي وراء كل منجز تنموي يتحقق على أرض الواقع كما ان الحياة المستقرة هي الدافع الرئيس وراء تشكيل سلة الأهداف البشرية التي يسعى الفرد والمجتمع الى تحقيقها في المستقبل وفقا للمتاح من الامكانيات المادية والبشرية وعندما تغيب - أي الحياة المستقرة - يتعطل المجتمع الشبري بفقدانه للمنجزات التنموية وبفقدانه للطموح والأمل المستقبلي. وفي اعتقادي ان أخانا العربي بعباراته المركزة قد لخص حقيقة التلازم الأبدي بين الأمن من جهة وبين كافة أشكال التنمية من جهة أخرى مؤيداً بذلك ما توصلت له كافة النظريات الاقتصادية والاجتماعية التي لم تجد صعوبة في اثبات العلاقة التلازمية بين هذين المتغيرين الرئيسين. كماان التجارب البشرية على مر العصور لم تثبت بعد استطاعة أي مجتمع من المجتمعات تحقيق أو المحافظة على منجزات اقتصادية واجتماعية وفكرية في ظل غياب الأمن الحياتي مما يؤكد مصداقية العلاقة الفريدة بين الأمن والتنمية. وإذا أضفنا الى ذلك اتسام الأمن الحياتي بخاصية الشمولية التي تعني عدم قدرة أي فرد من أفراد المجتمع على التمتع بحياة مستقرة أمنيا واجتماعيا واقتصاديا في ظل بيئة غير مستقرة أمنياً واجتماعياً واقتصادياً لكافة أفراد المجتمع، فإن المنطق السليم يحتم على المجتمع بكافة أفراده ومؤسساته الحكومية والخاصة مسؤولية اعطاء المرتكز الأمني أهمية خاصة تتجاوز حدود المكاسب الشخصية والوقتية الى حدود الشعور بالمسؤولية الأمنية التشاركية. ومن منطلق التشارك في المسؤولية الأمنية تنطلق مسؤولية أفراد ومؤسسات المجتمع المختلفة في رفض كل متغير حسي أو معنوي يستهدف اضعاف المرتكز الأمني الوطني كاجراء حتمي للمحافظة على الحياة المستقرة التي أثمرت المنجزات الاقتصادية والاجتماعية المتعاقبة. ومن منطلق التشارك في المسؤولية الأمنية تنطلق مسؤولية الأسرة والمدرسة في العمل على اكتشاف مؤشرات الانحراف السلوكي والفكري لدى الفرد كاجراء هام لمواجهة المشكلة قبل استفحالها وقبل ان تمتد آثارها الى الثوابت الأمنية التي يحرص المجتمع على تحقيقها. ومن منطلق التشارك في المسؤولية الأمنية تأتي مسؤولية وسائل الاعلام المختلفة في مجال ضبط النسق الفكري والثقافي للمجتمع لقدرتها على مد جسور التواصل الثقافي مع كافة أفراد المجتمع وشرائحه المختلفة ولقدرتها على احداث التأثير المتراكم لدى الجمهور المستقبل لرسالتها الاعلامية. وهنا لابد من الاشارة الى ان من غير المعقول قبول فرضية مشاركة الجميع لرجال الأمن في مكاتبهم ومواقع عملهم الميدانية ولكن المنشود هو ألا يؤتى المرتكز الأمني من موقع الفرد أو المؤسسة وألا ينمو الشعور بعدم مسؤولية الفرد أو المؤسسة في المحافظة على مقتضيات الأمن المجتمعي. |
[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة] |