Tuesday 4th february,2003 11086العدد الثلاثاء 3 ,ذو الحجة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

هل يقتنع إنسان عاقل بهذا الهراء؟! هل يقتنع إنسان عاقل بهذا الهراء؟!
روبرت فيسك (*)

يعمل جاهدا كل من الرئيس بوش وسفير الولايات المتحدة لدى الاتحاد الأوروبي روكويل شنابل على شيطنة صدام حسين في صورة شيطان؛ فكلاهما يحذروننا الآن من ثمن الخنوع وعدم التحرك، فبوش يعتقد في نفسه أنه «تشرشل» الولايات المتحدة ويرفض استرضاء صدام أو المصالحة معه، في حين قارن روكويل شنابل صدام بالزعيم النازي أدولف هتلر، وقال مخاطبا الأوروبيين: لقد كان لديكم هتلر في أوروبا ولم يفعل أحد شيئا حياله، وقد كان الجميع يعلم مدى خطره ولكن لم يتحرك أحد ونفس نمط ذلك الشخص موجود الآن في بغداد حيث يكمن قلقنا وخوفنا ثم أنهى السيد شنابل مقارنته الساذجة تلك بمقولة أخرى أكثر سذاجة، فقال: وهذا لاعلاقة له بالبترول على الإطلاق.
فكيف يقتنع إنسان عاقل بمثل هذا الهراء؟
إن أولى الدول التي لم تتحرك ولم تفعل شيئا إزاء هتلر كانت هي الولايات المتحدة ذاتها! وهي التي نعمت بفترة حياد مريحة في أعوام 1939 و1940 ومعظم فترات 1941 حتى أقض اليابانيون مضجعها في بيرل هاربر، ثم اندحر هتلر بعد ذلك بعدما أعلن تحالف تشرشل روزفلت أنهما لن يقبلا سوى بالاستسلام الألماني غير المشروط ذلك الإعلان الذي باغت تشرشل نفسه عندما أعلن عنه روزفلت في الدار البيضاء.
ولكن يبدو أن صدام لم يصبح مثل هتلر؛ فعلى مدار الأسبوع الماضي عرض دونالد رامسفيلد على هتلر بغداد مخرجا: المنفى مع حقيبة مملوءة بالنقود وفي رفقة أعضاء عائلته أيضا إذا كان هذا ما يأمله! ويبدو لي هذا غريبا؛ فلا أذكرأنني سمعت تشرشل أو روزفلت يعرضان على فوهرر النازي مخرجا على الإطلاق وبالرغم من أن صدام كان هو هتلر، أصبح فجأة غير هتلر على الإطلاق، وقد قيل قبل ذلك في جريدة النيويورك تايمز ان صدام سوف يمثل أمام محكمة مجرمي الحرب الدولية، ولكنه فجأة أصبح ليس مجرما؛ ويمكنه الخروج فورا إلى دولة ما ، أو بعبارات أخرى: لم يصبح هتلراً بعد الآن!
ولكن حتى بفرض أنه هتلر؛ هل نحن مستعدون لدفع ثمن تلك الحرب غير الواضحة؟ فبعض العرب على سبيل المثال يعتقدون أن العراق لن يصمد لأكثر من أسبوع.والبعض الآخر مقتنع تماما أن الفرقة الأمريكية الثالثة مشاة سوف تكون في بغداد في غضون ثلاثة أيام من بدء الحرب برفقة القوات البريطانية، كما أنه من المؤكد أنه سوف يذهب ضحية تلك الحرب المئات إن لم يكن الآلاف من العراقيين ولكن وفي خضم الثورة الأهلية التي سوف تتلو هذه الحرب، ماذا نحن فاعلون؟
هل سوف تقوم القوات الأمريكية والبريطانية بالدفاع عن مساكن مسؤولي حزب البعث العراقي الذين تطالب الجماهير بشنقهم؟
بل الأكثر خطورة من ذلك هو ما الذي سوف يعقب ذلك؟ ماذا سوف نفعل إذا ما طالب العراقيون من القوات الأمريكية والبريطانية الانسحاب؟ ليس فقط العراقيون أعضاء حزب البعث السابقين، ولكن أيضا هؤلاء المعارضين لصدام حسين؟ ومن المؤكد أن ذلك سوف يحدث لا محالة؛ فلن يرحب بالقوات الأمريكية والبريطانية على الأراضي العراقية، كما سوف يطلب الأكراد ثمنا لتعاونهم.، ربما دولة؟ ربما حكومة اتحادية؟ كما سوف يطالب السنة بأن تقوم القوات الأمريكية والبريطانية بحمايتهم.. ولكنهم أيضا سوف يطلبون منا الانسحاب في الوقت المناسب.
إن العراق بلد صعب وعنيف، كما أن الجنرال تومي فرانكس ليس الجنرال ماك آرثر الذي حكم اليابان بعد استسلامها في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
وسوف نكون حينئذ محتلين لدولة أجنبية، فسوف نكون محتلين العراق تماما مثلما تحتل إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة، وبخروج صدام من الساحة سوف يكون المجال خصبا لأسامة بن لادن لكي يطالب بتحرير العراق جنبا إلى جنب مع أهدافه الأخرى. فهل سوف نكون حينئذ مستعدين لمحاربة القاعدة في العراق جنبا إلى جنب مع الجبهات الأخرى، في أفغانستان وباكستان ومناطق أخرى عديدة؟
لقد سافرت إلى الولايات المتحدة أكثر من مرة في كل شهر في الفترة الماضية، وكنت أرجع إلى بريطانيا في نهاية الأسبوع، كما تجولت في مناطق عديدة في الشرق الأوسط، ولم أشاهد مثل هذا التصميم والعزيمة التي لا تلين من العديد من العرب والأوروبيين والأمريكيين لمعارضة تلك الحرب.
فهل كان توني بلير في حاجة إلى ذلك الطالب الشجاع الذي وقف يخاطبه في أثناء اجتماعه مع حزب العمال ليعبر له عما يشعر به الكثير من البريطانيين: وهو أن تلك الحرب المحتملة هي محض كذبة! وأن أسباب هذا الصراع لا علاقة لها بتدمير أسلحة الدمار الشامل، وأن بلير لن يجني شيئا من السير وراء بوش في هذه الحرب الأمريكية الإسرائيلية؟
ولم أتلق في حياتي مثل هذا الكم من خطابات القراء التي جاءت لتعبر بالمثل عن تلك المشاعر: ان الديموقراطية البريطانية لاتسمح للشعب البريطاني بوقف الحرب التي لا يشعر معظمهم بشيء تجاهها سوى الازدراء والاحتقار؛ ربما لا يستطيعون وقفها بسبب الغالبية الكبيرة لحزب العمال، ربما بسبب غياب حزب المحافظين كمعارضة مؤثرة، ربما بسبب العبث البرلماني الجاري حاليا.
ولن يستطيع شيء خداع الشعب البريطاني بعد الآن، بدءا من محاولات واشنطن اليائسة لربط صدام حسين بالقاعدة، ومرورا ب«ملف» بلير الساذج عن أسلحة الدمار الشامل، وانتهاء بالمسرحية الهزلية لمفتشي الأمم المتحدة.
وإنكار أن هذه الحرب لا علاقة لها بالبترول هي محاولات ساذجة وغير مقنعة تماما مثل مزاعم كولن باول بأن بترول العراق سوف يكون في «أمانة» لدى الأمريكيين لحساب الشعب العراقي، ولكن من الذي سوف يقوم بإدارة حقول البترول ويستكشف احتياطي النفط العراقي خلال هذه الفترة «الكريمة» من الحماية؟ ربما الشركات الأمريكية؟ لا؛ إن الشعب لا يمكن خداعه.
ولنأخذ أعمال التفتيش على سبيل المثال؛ فالآن يرفض كل من جورج بوش ودك تشيني ودونالد رامسفيلد وللأسف باول بإعطاء المفتشين وقتا إضافيا للتفتيش؛ ولماذا لا ؟ دعونا نرجع إلى يوم 12 سبتمبر من العام الماضي عندما طالب بوش في ذكرى أحداث 11 سبتمبر الماضية والجرائم ضد الإنسانية بأن تتحرك الأمم المتحدة، وأنها يجب أن تعيد المفتشين ثانية إلى العراق لكي يستأنفوا عملهم، وأنهم يجب عليهم أن يتموا عملهم على أكمل وجه، وفي حينها كان بوش يتمنى بالطبع أن يرفض العراق السماح للمفتشين بالعودة.
ولكن ما أصابه بالفزع أن العراق رحب بقرارات الأمم المتحدة، وعندها تحرق بوش شوقا إلى أن يجد المفتشون أية أسلحة مخبأة، ولكن لسوء حظه لم يجدوا شيئا ولا يزالون يبحثون حتى الآن، وكان ذلك آخر ما يريده بوش؛ فقد قال بوش إنه قد «سأم ومل» من حيل وألاعيب صدام، ولكن ما كان يعنيه أنه قد «سئم ومل» من الانتظار حتى يعثر المفتشون على أسلحة تمكن الولايات المتحدة من الذهاب إلى الحرب ضد العراق، وقد كان هو نفسه من كان يتحرق شوقا من أجل رجوع المفتشين إلى العمل، والآن لا يريدهم أن يستأنفوا عملهم، وقد كان يتحدث عن صدام، ولكنه كان يشير إلى مفتشي الأمم المتحدة، أو بالأحرى إلى مؤسسة الأمم المتحدة بكاملها والتي أنشئت بهمة ونشاط عاليين في أعقاب الحرب العالمية الثانية على يد دولته الولايات المتحدة ذاتها.
أما الدولة الوحيدة الأخرى التي تدفع في اتجاه الحرب هي إسرائيل، ولنستمع إلى كلمات زلمان شوفال مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون، فقد قال إن إسرائيل يمكن أن تدفع «ثمنا باهظا» نتيجة لهذا «التأجيل الطويل» للضربة الأمريكية للعراق، وقال إنه إذا ما تأجل الهجوم لأغراض سياسية وليست عسكرية فإننا سوف يكون لدينا كل الحق في إسرائيل بأن نخشى أن يستغل صدام هذا التأخير في تطوير أسلحته غير التقليدية، وأنه طالما أن صدام لم يتم تنحيته فسوف يكون من الصعب إقناع القيادة الفلسطينية بأن العنف لن يجدي وإن تلك القيادة يجب أن يتم استبدالها بإدارة جديدة، وسوف يستغل عرفات هذا التأخير لكي يكثف من هجماته الإرهابية.
ولاحظوا كيف يمكن حل هذا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الدامي طبقا لوجهة نظر شوفال : فقط إذا ما غزا الأمريكيون العراق! وكيف أن الإرهاب لا يمكن أن ينتهي في إسرائيل حتى تقوم أمريكا بتدمير صدام حسين، وأنه لن يكون هناك تغيير في النظام في فلسطين حتى يكون هناك تغيير في النظام في بغداد! وبانسياقنا وراء رغبات بوش للحرب فإن بلير سوف يكون داعما وبصورة مباشرة للاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة (طالما أن إسرائيل لا تزال تزعم أنها تقاتل في حرب أمريكا على الإرهاب ضد ياسر عرفات)، فهل يعتقد بلير أن البريطانيين لم يفطنوا لذلك؟ هل يعتقد أن البريطانيين أغبياء؟ وسوف يتم إرسال ربع الجيش البريطاني للقتال في حرب يعارضها 80% من البريطانيين؛ فمتى إذن نرى قوة الشعب الحقيقية إذا لم نرها بعدما تظاهر 500 ألف وأكثر في لندن ومانشيستر والمدن الأخرى ضد ذلك الجنون؟
بالطبع إن هناك حجة أساسية يحتج بها المؤيدون للحرب وهي أن صدام رجل شرس ودكتاتور بلا رحمة؛ وليس مثل القائد «العزيز» زعيم كوريا الشمالية، المصاب بداء العظمة النووية، والتي أجرت معه الولايات المتحدة محادثات «ممتازة»، ولكن ليس لديه بترول، وكم كان سيئا من صدام أن يقوم بإرسال علي حسن المجيدالشهير ب «الكيميائي» مجرم الحرب الذي ضرب الأكراد بالغازات السامة في حلبجة، لكي يأخذ جولة في بعض العواصم العربية الأسبوع الماضي، ولكن لم يعلق أي من بوش أو بلير على جولة المجيد ربما بسبب أن العلاقة بين الغازات السامة وجرائم الحرب والدعم الأمريكي السابق لصدام حسين هي علاقة حساسة للغاية.
إليكم ما تغير في الآونة الأخيرة: لقد أدرك المزيد والمزيد من الأمريكيين أن صحفهم تكذب عليهم، وتتصرف كما لو كانت ناطقة بلسان الحكومة فقط؛ والمزيد والمزيد من البريطانيين الذين ضجروا من صحفهم ومحطات تلفازهم وساستهم الذين يحثونهم على الذهاب إلى الحرب.
في الواقع أعتقد أن سياسات الرئيس الفرنسي جاك شيراك أصبحت اليوم تمثل الشعب البريطاني ربما أكثر من تلك التي يتبناها رئيس وزراء الشعب البريطاني توني بلير.

(*) عن «الاندبندنت» البريطانية - خدمة الجزيرة الصحفية

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved