Tuesday 4th february,2003 11086العدد الثلاثاء 3 ,ذو الحجة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

ثقافة المتن وثقافة الهامش...! ثقافة المتن وثقافة الهامش...!
د/ حسن بن فهد الهويمل

ومشروعية التساؤل عن المرجعية والأحقية للمتداول من القيم والأفكار الطريف منها والتليد قد يضايق البعض، ويرفع نبضه، ويربك حركته، ولربما يقلبها رأساً على عقب، ذلك أن طائفة من المشتغلين بالثوابت، أو المتحدثين عن المسكوت عنه، أو المتسائلين عن هوية السوائد، يتصورون أنهم يقولون كلمة الحق، وأنهم لا يسألون عما يفعلون، وأن المناوىء لهم مغرم بالتجريم والتحريم والإدانة ليس غير، وكأن هذا البعض قد ورث المشهد من أبيه وأمه. وما درى هذا المسكين أن الله لم يمض مع رسوله المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، والذي لا يتقول على الله بعض الأقاويل، في كثير مما تعجل به، أو فعله بوصفه بشراً، حتى لقد راجعه في الدعاء على من لقي الأذية منهم، فقال له:- «ليس لك من الأمر شيء». وهو قد خالفه في أمر الفداء وفي تحريم ما أحل الله له لمرضاة أزواجه، واستدرك عليه مواقفه من الأعمى وممن يدعون ربهم بالغداة والعشي.وهؤلاء الذين يتلقون ركبان الاستغراب، ويسارعون في طمس الهوية والسمة والخصوصية مندمجين مع الآخر الحفي بخصوصيته وسمته وهويته إلى حد:«ولن ترضى عنك..»، هؤلاء لا يحسون بما تركوه من أثر سلبي وإرباك متعمد للمشهد الفكري والثقافي. وبخاصة عندما تكون الآراء فجة، والمتحدثون نقلة لما لا يفهمون، وكثير مما نقرؤه مضى زمنه، وكلحت نضارته وشمطت ملامحه.
وبعض الكتبة يقول الكلمة المخلة بالقيم والخارجة على الضوابط، لا يلقي لها بالاً، تهوي به سبعين خريفاً من عيون العارفين بالمقتضيات والمقاصد، ومع ذلك تعرج به إلى سماوات البهرجة والشهرة الزائفة عند من لا دراية ولا رواية عندهم، وما أصدق الحكيم المجرب حين قال لأحد جلسائه:«تحدث حتى أراك». وأبو حنيفة المتأذي من آلام ركبته، لم يمكنه من مد رجله إلا كلام المظهري الفارغ. وبعض الكتبة تحتدم مشاعرهم، وتتوتر أعصابهم، ويدخلون الحلبة بورقة واحدة، ولو دخلوها بأكثر من ورقة لكانوا أربط جأشاً، وأرحب صدراً. وكلما أوغل الإنسان في المسؤوليات، واستشرف المعارف، وحنكته التجارب، وخبر حلو الحياة ومرها، كان أكثر هدوءاً، وأرحب صدراً، وأقرب إلى التعذير.
وما أضر بالأمة إلا المبتدئون الذين يخطفون كلمة من هنا وكلمة من هناك، ثم يشعلون بهما نار الفتنة، ويربكون المشاهد، وإذا دعوا إلى كلمة سواء لووا رؤوسهم، ولقد يكونون موغلين في الدين بدون رفق، فيحرمون ما أحل الله من زينة أو طيبات، ويحيلون حدتهم وشدتهم إلى سد الذرائع والغيرة على الدين، ومن هؤلاء من نحقر عبادتنا عند عبادتهم، وصلاتنا عند صلاتهم، ولكنهم أحداث يمرقون بتنطعهم في الدين كما يمرق السهم من الرمية، وضياع الدين بين جاهل متنطع ومنافق جلد، فهما بين الإفراط والتفريط، وكيف بنا إذا عشنا حتى نرى متنطعاً يغلو في دينه، ثم ينقلب على عقبيه حاملاً معه جلابيب الدين، بعد أن حولها كما المستغيث، فكان على نقيض تنطعه ورهبانيته، وهو في كلا الحالين نقمة ووبال. وكيف بنا إذا خبّ السفيه ووضع في مراتع الفتن وتنقل بين«الراديكالية» و«الإيغال» في الدين بلا رفق! ثم لم يجد من يأخذ على يده، ويأطره على الحق أطراً.
والمحيل على التجربة الأوروبية، وضاربها مثلاً، ونسيان ما هو أهم مثله كمثل الذي ضرب مثلاً ونسي خلقه وصنيعه لعبة مكشوفة وعملة قديمة متحفية، ومؤشر انهزام داخلي، والمجتر لها كهفي يغدو بورقه إلى ذوي الشأن، ليكشف عن ماضوية تجاوزتها أبجديات العصر. والتجربة المعشوقة ما زالت ليلى المغفلين والساذجين والماكرين والمأجورين.
وأين هم من تجارب أخرى شرقية وجنوبية وشمالية من ذوي الديانات الوضعية المضحكة؟ ومع ذلك لم تحل دياناتهم الوضعية الخرافية بينهم وبين اختراق الآفاق، والاتيان بمثل ما أتت به أوروبا وأمريكا المتعلمنة. لقد طرحت مشاريع كثيرة متناقضة لإقالة عثرة الأمة العربية، ولم يكن من بينها العودة إلى ما كان عليه محمد وأصحابه، وكل تجربة مضرة تبدىء وتعيد مقولة« عزل الدين عن الدولة» أو «عزل الحياة المتحفيين تذكر «غاندي» و«نهرو» و«أنديرا» فكيف بمن هم على المحجة البيضاء، واليهود المتعصبون ليهوديتهم وللغتهم استطاعوا تحقيق متطلبات الحياة الدنيا، وبحبل من الذين كفروا أقاموا دولة دينية تعتمد المؤسسات والديمقراطية، وما أحد منهم شكك في أثر الدين اليهودي المحرف على المعاصرة. وعلى ضوء ذلك فإنه لا يمكن ربط التخلف بالعقيدة، والقرآن الكريم قد أشار إلى ذلك«يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا»، وحين يتفوق الأوروبيون مدنياً فإنهم مخفقون حضارياً، وليس لهم في الآخرة من خلاق، وحين يتفوق الإسلاميون مدنياً يتفوقون حضارياً، ويرجون من الله مالا يرجوه غيرهم.
إن «ثقافة المتن» و«ثقافة الهامش» و«ثقافة الوهم» تكون عند العلماني وعند الإسلامي، متى لم يحسن أحدهما التعامل مع المستجدات، ومتى لم يحسن الإسلامي تمثل المقتضيات والمقاصد الإسلامية، ومتى غاب الإسلام ممارسة، وحضر ادعاء، والأمة الإسلامية تمر بوضع حرج وتحديات لاقبل لها باحتمالها، وجبهتها الفكرية حين يكون أفرادها كما بني إسرائيل وبقرتهم يدب في أوصالها الداء، ويصيبها الوهن والحزن، ولا تحقق العلو الذي أراده الله لها، وإذا كانت مثخنة الجراح من سهام العلمانيين والحداثيين والذوّاقين وأنصاف المتعلمين فإنها ضاوية الجسم خائرة العزيمة من طوائف الإسلاميين الذين يظنون أن المواجهة القولية والفعلية هي الحل، دون تربية وتصفية وفهم وعمل، وعزاؤها وعد الله بالنصر لمن نصره، والبقاء للطائفة المنصورة، والمبعوث المجدد على رأس كل قرن.
إن ما نريده من السائمين في مزابل الغرب المجترين لمقولات تكشف عوارها أن يجربوا الاستبداد ولو لمرة واحدة، وأن يحاولوا طرح مشروع إسلامي حضاري، يحترم العلم والمدنية وإنسانية الإنسان، ويقدس النظام والحرية والوفاء بالعهود، مما يجعل العدو كأنه ولي رحيم، فهل نظفر بهذا النوع من المفكرين؟ أحسب أن الوقت مواتٍ، والظروف مناسبة، ولم يبق إلا صياغة الخطاب الحضاري.؟

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved