Monday 3rd february,2003 11085العدد الأثنين 2 ,ذو الحجة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

لما هو آت لما هو آت
ما بعد الاحتفاء...
د. خيرية السقاف

بلا شك كانت احتفالية جميلة، ومؤثرة، ودافعة، ومشجعة، وراسمة للكثير من الآمال وباسطة للعديد من الأحلام، ومحرِّضة لكلّ الأماني والتطلعات، احتفالية جامعة الملك سعود بوضع حجر الأساس لمشاريعها البنائية للمرحلة الثانية، ومشاريع بناء كليات البنات فيها بأقسامها للعلوم البحتة والتطبيقية والنظرية ومعاهدها، هذه الاحتفالية التي فاجأت فيها القيادة في شخص صاحب السمو الملكي ولي العهد، الجميع بتحويل فروع الجامعة الثلاثة إلى جامعات، وبتشكيل لجنة لدراسة سلم رواتب أعضاء هيئة التدريس لمواجهة احتياجات الواقع، وكانت مفاجأة جد رائعة لكنَّها تدعو إلى كثير من الأسئلة، ذلك لأن إنشاء جامعة يعني إعداد أمّة... فكم حققت الجامعات من هذا الإعداد ليس في ضوء «حمل الدرجة الجامعية» بل في «معايير قيَميَّة» هذه الدرجة بحيث يكون الفرد في الأمَّة مؤهلاً لواقعه وعصره وليس فقط ملمّاً بشيء ممَّا يجعله في حياد مع نفسه؟... فالموقف الرسمي يحفِّز، ويدعم، ويؤهل، بدليل المشاركة المستمرة لمشاريع الجامعات والوقوف مع طموحاتها بكلَّ عناصر القيادة، وهذا ما يُتوقع بلا ريب لكنَّ الأسئلة تنطلق لتخص الجامعات ذاتها، تخص من يعمل فيها، ويتفاعل مع رسالتها، ويسهر على طموحاتها، ويخطط لتطويرها، ويؤدي عمله فيها، ويتلقَّى عنها نجاحاته، فما هي نجاحاتها منه؟!!... بعد أن يتم الفرح في لحظات مثل هذه، وغالباً لا يشعر برهجة الفرح الذي يحدث من لا يعيش هذه اللَّحظة، ومع هذا فإنَّ المجتمع تعوَّد أفراده أن يفرحوا عند أي تجمع فرح، وحول أيّة «طاولة» عطاء، فأقل «التكتلات» تلاحمهم، وتقاربهم، وتحرك الدماء في عروقهم، وتنسيهم صغائرهم، فيحتضنون بعضهم، فكيف إن جاء هذا التجمع بفرح نهوض مشاريع تأسيسية لجامعة عريقة مثل جامعة الملك سعود؟...
هذه الأسئلة أتمنى أن يضعها كلُّ أولئك أمامهم، على طاولة البحث الذي ينكبُّون عليه، وتكلّ عيونهم من اللهّاث ورائه، والعمل له، والتّنابز في شأنه..، هذه الأسئلة لهم جميعهم بكلّ فئاتهم، وتخصصاتهم، وأدوارهم، إدارية، وفنية، وأكاديمية، وصحية... و... و...
وكثيراً ما يعنُّ السؤال الكبير الذي منه تنبثق محاوره التفصيلية، هذا السؤال يبحث عن مدى وفرة القِيَميَّة في التكوين المضاميني للمعنوي، والفكري، والكيفي، للأداء داخل هذه الكثرة من الأبنية التي تشهق رفاهة، وسعة، وتتزيّا خضرة وجمالاً معمارياً؟ المحتشدة مكاتبها، وردهاتها، وقاعاتها..، بالأشخاص متعددي المسميات الوظيفية، متداخلي المسؤوليات أو محدِّدي الأدوار...
والقيَميّة التي أعني يدخل تحتها كلّ محور باثق لجزء أو كلّ من الطموح، الأمل، الرغبة، الغاية، والهدف... تلك التي تتجمع معاً لتصبح محور «الخطابية» في الاحتفالات الكبيرة مثل هذا الاحتفال الذي تمّ أمس الأول السبت في الجامعة...
فما كانت عليه الوجوه من البِشْر، يدعو الى التأكد من مصداقية التوازن الأدائي والتحصيلي في أمر «بنائية الأمة» عن بنائية كلّ فرد الجامعة تحتضنه لمدة ثمَّ تفرزه للمجتمع فكيف يكون؟!...
فكلّ فرد في هذه المؤسسة الكبرى مسؤول عن الوفاء لها: خوفاً من اللَّه تعالى، وصدقاً، وعطاء، وبذلاً، وأمانة، وإيثاراً، ودأباً، وتضحية، وتطويراً، وتحديثاً، وأداءً متقناً، ووعياً دقيقاً بالدور، واحساساً بالمسؤولية، ونقاءً في الضمير، وصدقاً مع النفس، وحباً للآخر كي يتم التعامل في ملحمة شبيهة بملاحم الفرح عند الاحتفاء، ليتحقق عنها كلَّ هدف يُرسم حرفياً على الورق، أو تردده أصداء الأصوات على كلِّ سطح داخل هذه الأبنية... فمن الجميل أن تتحقق مجموعة الأهداف إجرائياً في كلّ موقع قدم داخل هذه المؤسسة.. كي يتحقق لها التوازن بين البناء الخارجي وقِيَمِيّة البناء الداخلي... أيّ بين شكلها ومضمونها.
إنَّ الجانب الأول في بنائية الأمم هو التعليم، والتعليم العالي منه يُخرج للأمم من ينهض ليس فقط بأفرادها، بل بمشاريعها، ومناحي انطلاقاتها، ومجالات ثباتها، فهو البوتقة التي تحرص الأمم على «النخبويّة» فيها، ولا يتحقق ذلك إلا بتضافر الاحساس ليس فقط عند الفرح وإنّما في لحظة الأداء قبل أيّة لحظة.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved