تبدو الولايات المتحدة ومنتقديها في حالة انقسام تام في مجلس الأمن، وهم مختلفون حول نقطة أساسية: هل استمرار عمليات التفتيش على الأسلحة في العراق أخطر من الحرب ذاتها؟
فمن وجهة نظر الفرنسيين والألمان يعتبر وجود المفتشين مهم للغاية، ربما في نفس درجة أهمية الكشف عن أسلحة الدمار الشامل نفسها؛ فبوجود فرق التفتيش التي تجوب العراق فإن برامج تصنيع الأسلحة النووية والكيمائية والبيولوجية قد تم «تجميدها» تماما، كما قال وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دو فليبان.
ويحتج الأوربيون بأنه وبالرغم من أن صدام حسين لا يزال يمثل خطرا على المجتمع الدولي، فهو لا يعدو كونه خطرا يمكن التحكم فيه واحتواؤه.
أما من وجهة نظر إدارة الرئيس بوش، فإن العودة إلى حالة التفتيش الراهنة ليست ذات جدوى على الإطلاق؛ فقد عبر المسؤولون الأمريكيون عن القليل من الإيمان في قدرات المفتشين الذين يعملون كرادع للعراق لمنعه من تطوير أسلحة الدمارالشامل، كما يفهم من مضمون كلامهم أن أخطر الأسلحة العراقية على الإطلاق هو صدام حسين نفسه.
فقد صرح جون ريبيرت الجنرال السابق في الجيش الأمريكي والذي كان يرأس الوكالة الأمريكية للتفتيش على المواقع: «لا يمكننا الاعتماد على المفتشين وأنهم سوف يكتشفون تدريجيا على أسلحة الدمار الشامل التابعة لصدام حسين ومن ثم نزعها؛ إن الولايات المتحدة تعتقد أن أسرع وأضمن تلك الطرق هو طريق الحرب، حتى لو كلفنا ذلك بعض الضحايا، فتلك هي الطريقة الوحيدة التي نستطيع بها ضمان أمننا».
وبصرف النظر عن أقوال الفريقين فقد اعتبر كل من العراق والولايات المتحدة أن تقرير مفتشي الأمم المتحدة الذي تم تقديمه في السابع والعشرين من يناير قد جاء ليدعم وجهة نظره، وفسره كل منهم على أنه يعزز من موقفه.
وقد جاء التقرير قاسيا، واعتبره بعض المراقبين «قاسيا بصورة غير متوقعة» فيما يتعلق بنقص التعاون والخضوع العراقي الكامل لقرارات مجلس الأمن الخاصة بنزع أسلحته، فقد صرح رئيس مفتشي الأمم المتحدة هانز بليكس في بداية تقييمه الفاصل لفترة ستين يوما من العمل قائلا: «إن العراق قد بدأ أنه لم يخضع خضوعا كاملا حتى اليوم لقرارات نزع أسلحته التي طالبه بها مجلس الأمن» والسيد بليكس رئيس لجنة المراقبة والتحري والتفتيش التابعة للأمم المتحدة (أنموفيك) قال إن ما فعله العراقيون لم يكن كافيا لكي «يحلوا تلك الأزمة». وقد أشار بليكس إلى أن الإعلان العراقي عن أسلحته والذي جاء في 12 ألف صفحة قد احتوى على إضافات قليلة للغاية عن تلك التقارير السابقة التي قدمها للمفتشين.
وكان هناك استثناء واحد وهو تقرير القوات الجوية والذي أشار إلى أن العراق قد فشل في تفسير وجود ستة آلاف صاروخ كيميائي، وقال: «إن أرقام الصواريخ أظهرت لنا أن العراق لا يزال بحاجة إلى أن يبذل مزيدا من الجهد لكي يظهر أن إعلانه الحالي دقيق».
أما فيما يتعلق بغاز الأعصاب VX والذي يعتقد أن العراق قد صنعه في أعقاب حرب الخليج، فقد قال بليكس ان العراقيين لم يجيبوا بصورة كافية عن الأسلة المتعلقة بمصير المخزون السابق منه.
وفيما يتعلق بالأسلحة البيولوجية قال بليكس إن العراق قد فشل في تقديم «أدلة مقنعة» بأنها قد دمرت من طرف واحد مخزونها من الأنثراكس، وأن هناك مؤشرات إلى أن العراق يمكن أن يكون لديه كميات ضخمة أكثر بكثير من تلك التي أبلغ المفتشين عنها.
ولكن في الوقت ذاته قال بليكس إن الإذعان العراقي لعملية التفتيش نفسها كان أكثر من كاف؛ فقد أشار الى أن عمليات التفتيش كانت تأخذ مجراها، وأشار إلى أن هناك منشآت تدريب جديدة للمفتشين قد تم فتحها في النمسا، وأن فرق التفتيش في العراق ذاتها كانت تستعد لفتح مكتب آخر.
وفي تعارض واضح مع موقف الإدارة الأمريكية التي أشارت إلى أن المفتشين قد استنفذوا وقتهم، صرح سكرتير عام الأمم المتحدة كوفي أنان أن المفتشين يجب أن يعطوا مزيدا من الوقت لكي ينهوا عملهم، فقد صرح كوفي أنان قائلا: «ينبغي إعطاؤهم وقتا كافيا لإنهاء عملهم، وينبغي أن ندرك جميعا سواء في مجلس الأمن أو في الجمعية العامة للأمم المتحدة أن الوقت سوف يكون ضروريا للغاية، وينبغي إعطاؤهم وقتا كافيا؛ لا أقول للأبد، ولكنهم بالفعل يحتاجون إلى مزيد من الوقت لينهوا عملهم، ولكني أشك في أن مجلس الأمن سوف يسمح بذلك».
ولكن عاد أنان ليصرح بأنه لا يزال يأمل في أن يتم نزع أسلحة العراق بصورة سلمية، كما أثنى على بليكس وكبير مفتشي الأسلحة النووية محمد البرادعي، واللذين وصفهما بأنهما «لديهما عزم وعقلية مستقلة».
وربما أقنع ذلك الصراع داخل مجلس الأمن عن مستقبل سير الأحداث ضد صدام حسين بعض الصقور داخل الإدارة الأمريكية أنه كان من الخطأ منذ البداية محاولة الإدارة الأمريكية في بادئ الأمر أن تتحرك من خلال مجلس الأمن.
ولكن كما يقول هيرست هانوم أستاذ القانون الدولي والخبير في شؤون الأمم المتحدة بكلية فلتشر للحقوق والدبلوماسية بجامعة تافت بولاية ماساشوستس أنه بالرغم من ذلك أشارت الولايات المتحدة في غير ذات مرة أنها لا تزال تحتفظ بحقها في التحرك بصورة أحادية لنزع أسلحة العراق، ثم أضاف: «بالرغم من المعارضة المتزايدة والتي أصبح لها صوت عالٍ ضد أن تذهب الولايات المتحدة في الحرب بمفردها، فإنه لا يزال أنسب مكان لتظهر الولايات المتحدة أنها تحظى بدعم دولي هو مجلس الأمن».
وقد أشار هانوم إلى أن كل من الفرنسيين والبريطانيين والحلفاء الآخرين يتفقون معا على هدف واحد وهو إثبات أن صدام حسين لا يمثل خطرا على المنطقة ولا على القوى الغربية العظمى، ومن غير المحتمل على الإطلاق أنهم سوف يتفقون مع تكتيكات الولايات المتحدة، وذلك لسبب وحيد، وهو أنهم يعتقدون أن الولايات المتحدة ربما لديها خطط سرية بشأن تلك المنطقة من العالم ولا يمكن عرضها على الملأ؛ فما الذي تريد الولايات المتحدة فعله ببترول العراق؟
هل سوف تتحرك لتضغط على دول في المنطقة مثل إيران؟ هل تتطلع إلى زيادة نفوذها ليصل إلى صورة مطلقة على تلك المنطقة بمحاولة نشر تغييرا ديموقراطيا في هذه البقعة من العالم؟ وأضاف هانوم: «إن هذا ما يجعل حلفاءنا الأوربيين قلقين: إنهم لا يصدقون الولايات المتحدة في قولها ان هدفها الرئيس هو انتزاع أسلحة الدمار الشامل لصدام حسين».
(*) خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» - خاص بـ «الجزيرة»
|