Monday 3rd february,2003 11085العدد الأثنين 2 ,ذو الحجة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الرئة الثالثة الرئة الثالثة
شقراء وأبها.. توأما الحب والذكرى!
عبدالرحمن بن محمد السدحان

«2»
*.. انتهزت فترة الراحة القصيرة من عناء «الجولة السياحية» في ربوع شقراء والقرائن برفقة سيدي الوالد رحمه الله، فسألتُه المزيدَ عن دراسته الأولى في مسقط رأسه «غسلة»، فأجاب قائلاً: «تعلمتُ (فكّ الحرف) وتلاوة القرآن الكريم لدى (مطوّع) الحي، مع نفر من أطفال القرية».
**
* وذات يوم، كنت أنتبذُ مكاناً قصيّاً من «كتّاب القرية» مع زميل آخر، وكنا نتجاذبُ الحديث همْساً، مستترين خَلف لوحيْن من الخشب رُسمتْ عليهما حرُوف الهجاء، وفيما نحن غارقان في الضحك الخافت والحديث الطفولي، إذا بلوح «المطوّع» يحلّق فوق رأسيْنا، ثم يرتطم باللّوح الساتر لوجهي، ليرتدّ إليّ بعنف محدثاً شجاً بليغاً في مقدمة رأسي، وتسيل الدماءُ، ويعلو الصياح، فأعدو مهرولاً خارج «الكتّاب» وسط ذهول الحاضرين ودهشتهم، وألجأ خوفاً من غضب أبي إلى بيت عمتي، والدة وجيه شقراء الشهير وفيلسوفها الساخر، الشيخ عبدالرحمن السبيعي، رحمهما الله، وأقسم بين يديْ عمتي ألا أعودَ إلى «الكتّاب» أبداً بعد ذلك اليوم، فتكرّم رغبتي، وتحميني من غضب شقيقها والدي، وتقنعه باحترام قسمي.
**
* ويشير سيدي الوالد رحمه الله إلى أن «فلقة المطوع» أحدثتْ له نقلةً نوعيةً في مسار حياته، إذ «هاجر» في وقت لاحق إلى الأحساء حيث قرأ وحفظ مزيداً من القرآن الكريم، وتعلّم مبادئ الحساب والخط قبل أن يحمله طلبُ العيش على ظهور الجمال إلى مناطق أخرى من المملكة شمالاً ووسطاً وغرباً.. ثم جنوباً، ليستقر مؤقتاً في مدينة أبها، وكان قد جاء إليها مُوفداً من ابن عمته الشيخ عبدالرحمن السبيعي ومعه رسالة من صقر الجزيرة الملك عبدالعزيز طيّب الله ثراه، إلى حليفه الكبير الشيخ عبدالوهاب أبو ملحة رحمه الله، غير أن الشيخ «أبو ملحة» نصح سيدي الوالد بالبقاء في أبها حيناً من الوقت حتى يتمكّن من تحقيق الغرض الذي جاء من أجله.
**
* ويعمل سيدي الوالد بنصيحة الشيخ أبو ملحة، فيقيم في أحد أحياء مدينة أبها، ويطيبُ له المقامُ بها فترةً طويلة يتعرّف خلالها على نفرٍ كريم من وجهائها ورجال الأعمال بها، ويخوضُ في عروض التجارة بيعاً وشراء للمواد الغذائية، حتى غدا له في المجال سمعةٌ وشأن، ثم يكتب الله له النصيبَ الحلال.. فيقترن بسيدتي الوالدة العسيرية أصْلاً ومولداً ونسَبَاً، طيّب الله ثراهما، وأكون أنا باكورة ذلك اللقاء، وثمرةَ لقاحٍ ثقافي جميل بين بيئتين: البيئة الوسطى من بلادي ممثلة في فاتنة نجد شقراء، والبيئة العسيرية، ممثلة في عروس المدائن.. أبها!
**
* وبعد..
فأود أن أختمَ هذا الحديثَ السابح في عباب الذكرى بهاتين الوقفتين:
* الأولى: أن القدرَ الجميلَ قد ساق خطى سيدي الوالد طيب الله ثراه إلى أبها في مهمّة ظنّ بادئَ الأمر أنها قصيرة ويسيرة، وكان قبل ذلك «رحّالة» في ربوع نجد وبعض مدن الشمال، يمارس التجارة على ظهور «الركايب»، حتى حلّ بمدينة أبها، وطاب له المقامُ فيها، وتكيّف مع حيثيات المناخ والمكان والبيئة هناك، وغدا واحداً من أبرز التجار في أبها.
وكانت له رحمه الله علاقاتُ عملٍ نشطة مع رموز تجارية أخرى مثل الشيخ الشربتلي في جدة والشيخ البسام في جازان وغيرهما، ثم جمعه النصيب الحلال لأول مرة مع سيدتي الوالدة رحمها الله ذات يوم قبل نحو خمسين عاماً، وكان من أمري وأمرهما بعد ذلك ما كان، وأرجو الله أن يجمعني بهما في ديار النعيم.
**
* الثانية: أنّ شقراء وأبها هما في خاطري توأمان حميمان، يظلان يسكنان شعابَ القلب، ويعمران سفوحَ الوجدان حُبّاً وولاء وذكرى! والحمد لله من قبلُ ومن بعد!

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved