في شارع قابل بمدينة جدة.. نفر من الحمالين.. يسرعون إليك وأنت تبتضع حوائجك، عارضين عليك خدماتهم وزنابيلهم.
ولقد شاهدت يوم الخميس الماضي أحد هؤلاء الحمالين.. شاهدته من خلال جهاز الراديو.. أجل.. جهاز الراديو.. وليس جهاز التلفزيون فأنا أعني ما أقول..
كان الحمال هذه المرة حمالا فنيا.. هو الملحن محمد الموجي.. رأيته يحمل زنبيله في خضوع واستكانة.. ويسير خلف أم كلثوم.. في أغنيتها الجديدة اسأل روحك.
ولست أدري لماذا لم تسأل أم كلثوم روحها قبل أن تقبل مثل هذا اللحن الركيك.. البالغ الركاكة؟.
لقد كانت النسبة بين الأداء وبين اللحن، تماماً كالنسبة بين المشتري في شارع قابل.. وحامل الزنبيل!.
كانت الموسيقى تزحف زحفاً متهالكاً خلف صوت أم كلثوم..
وكانت المقدمة هزيلة قميئة.. لا تليق اطلاقاً كتمهيد في أغنية جديدة لسيدة الغناء العربي..
والتوزيع الموسيقي كان أكثر من سيء.. لا تجديد ولا تفنن ولا إبداع في قليل أو كثير..
كانت أم كلثوم تغني.. والموجي يمشي خلفها متعثرا.. ولقد حاولت أم كلثوم العملاقة بعدما لمست من فتور الجمهور أن تعوض ذلك بصوتها وفنها وأدائها الرائع.. ولكن يبدو أن اللحن ذاته كان عائقاً وكان عبئاً عليها.. في حين كان المفروض هو النقيض تماماً..
ولقد ظهر واضحاً أن أم كلثوم الفنانة الخبيرة قد شعرت بأن الأغنية تسقط أمامها رويداً رويداً، وأن محاولاتها اليائسة لإنقاذها تذهب أدراج الرياح.. فظهر في صوتها شعور بالمرارة والأسى.. حتى أنها في الكوبليه الأخير كانت أقرب إلى الكلام العادي.. بل الكلام اليابس الجاد.. منها إلى الغناء والطرب..
إن الدليل على ذلك كان واضحاً للغاية.. حتى أن جمهور المستمعين في الحفلة.. لم يستزد ولا كوبليه واحد من الأغنية كما هي عادته..
وكما حدث بالفعل في الأغنية الأولى في الحفلة.. أغنية «أقبل الليل».. التي استعاد الجمهور مقاطعها بالحاح شديد أكثر من مرة، على الرغم من انها ليست المرة الأولى التي تغنيها فيها أم كلثوم..
وعندما استشعرت ذلك أم كلثوم اختتمت أغنيتها فيما يشبه الوجوم بل وهي تكاد تبكي هاربة أو تهرب باكية.. كان تصفيق الجمهور عادياً جداً.. بلا حرارة وبلا إلحاح.. ولم يستعيدوا المقطع الأخير من الأغنية، كما حدث في كل أغنية جديدة لأم كلثوم..
الكلمات لا بأس بها.. ولكنها ليست رائعة بمعنى الكلمة..
أما عن أم كلثوم فسوف تظل في القمة دائماً..
«والله يجازي اللي كان السبب»..
لقد سبق لأم كلثوم أن غنت من تلحين الموجي أغنية للصبر حدود..
وعندما جاء اللحن عادياً دون مستواها.. سألها بعض النقاد: لماذا قبلت هذا اللحن يا ثومة؟ فأجابت بعبارة من الأغنية ذاتها:
«أهي مرة.. ومش حاتعود!».
ولكنها عادت مع الأسف الشديد!!!
|