* مكة المكرمة أحمد الأحمدي:
يقوم معالي الشيخ صالح بن عبدالرحمن الحصين الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف مساء اليوم الأحد غرة شهر ذي الحجة بتسليم كسوة الكعبة المشرفة الجديدة لكبير سدنة بيت الله الحرام الشيخ عبدالعزيز الشيبي في احتفال رسمي بمقر المصنع بأم الجود بمكة المكرمة يتم خلاله التوقيع على استلام الكسوة الجديدة بحضور عدد من المسؤولين في رئاسة شؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي ومصنع كسوة الكعبة المشرفة وسدنة بيت الله الحرام من أسرة آل الشيبي وبهذه المناسبة تلقي الجزيرة الضوء على مراحل تنفيذ كسوة الكعبة المشرفة وعلى المصنع الذي يقوم بصناعة وإعداد هذه الكسوة.
صناعة الكسوة
في البداية أوضح المشرف العام على مصنع الكسوة المشرفة زياد محيي الدين خوجه أن ثوب الكعبة المشرفة تتم صناعته وتطريزه داخل المصنع بأم الجود بمكة المكرمة بأياد سعودية مدربة ومؤهلة وذات خبرة طويلة على هذا العمل ويشكل سطح الثوب مساحة تقدر ب 658 متراً مربعاً ويتكون من 47 طاقة قماش طول كل منها 14 متراً وعرضها متراً وتتألف القطع الذهبية المثبتة على الثوب «الحزام» من 16 قطعة وتنتج الكسوة من الحرير الطبيعي الخالص المصبوغ باللون الأسود وقد نقش عليه بطريقة «الجاكارد» عبارات «يا الله لا إله إلا الله محمد رسول الله يا حنان يا منان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم وكما أن الثوب يرتفع إلى أربعة عشر متراً ويوجد في الثلث الأعلى منه حزام الكسوة بعرض خمسة وسبعين سنتيمتراً كتب عليه آيات قرآنية بالخط الثلث المركب محاط بإطار من الزخارف الإسلامية ويطرز الحزام بتطريز بارز مغطى بسلك فضي مطلي بالذهب ويحيط الحزام بالكسوة كلها ويبلغ طوله 45 متراً ويتكون من 16 قطعة كما يوجد تحت الحزام على الأركان سورة الإخلاص مكتوبة داخل دائرة محاطة بشكل مربع من الزخارف الإسلامية وعلى الارتفاع نفسه وتحت الحزام أيضا ست آيات من القرآن الكريم مكتوب كل منها داخل إطار منفصل وفي الفواصل بينها شكل قنديل كتب عليه «يا حي يا قيوم» أو «يا رحمن يا رحيم» أو «الحمد لله رب العالمين» وكل ما تحت الحزام مكتوب بالخط الثلث المركب ومطرزاً تطريزاً بارزاً مغطى بأسلاك الفضة المطلية بالذهب وقد تم صنع هذه القطع في العهد السعودي.
مراحل التصنيع
أما مراحل تصنيع الكسوة فتنقسم إلى ثمانية مراحل هي مرحلة الصباغة والنسيج والتصميم والتطريز والمختبر والتجميع والتسليم للكسوة فمرحلة الصباغة والتي يتم فيها صباغة الحرير الذي يتم تأمينه ويعد من أفضل أنواع الحرير الطبيعي في العالم وأما النسيج فهو تحويل الشلل الحريرية إلى أكوان ليتم تسديتها على مكفة السداء وذلك بتجميع الخيوط الطويلة للنسيج «السداء» بجانب بعضها على شكل أسطوانة تعرف بمطواة السداء.
أما مرحلة التصميم فتشمل التصميمات الفنية والخطوط المكتوبة على الكسوة ليست ثابتة بل ينالها شيء من التغيير من وقت لآخر بغية الحصول على ما هو أفضل.
أما مرحلة الطباعة فتتم الطباعة بواسطة «الشايلونات» لنقل التصميم على القماش وفي مرحلة التطريز التي تتم بعد إنتاج الأقمشة يتم التطريز بالأسلاك الفضية والذهبية.
أما مرحلة المختبر التي تضم أجهزة القياس لاختيار جودة الإنتاج من الكسوة والمرحلة السابعة وهي مرحلة تجميع الكسوة حيث تتم إنتاج الكسوة من مكنة «الجاكارد» على هيئة قطع كبيرة يتم تفصيل كل جنب من جوانب الكعبة المشرفة على حدة حسب عرض الجنب وتوصيل القطع مع بعضها البعض.
تسليم الكسوة
أما المرحلة الثانية وهي المرحلة الأخيرة للكسوة المشرفة لتسليمها إلى كبير سدنة بيت الله الحرام حيث يقام في موسم الحج من كل عام احتفال سنوي بمقر مصنع كسوة الكعبة المشرفة بأم الجود بمكة المكرمة يتم فيه تسليم كسوة الكعبة المشرفة إلى كبير سدنة بيت الله الحرام من آل الشيبي حيث يقوم سماحة الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف بتسليم الكسوة لكبير سدنة بيت الله الحرام في احتفال رسمي يحضره لفيف من المسؤولين بالدوائر الحكومية بمكة المكرمة ورجال الصحافة والإعلام كما يُسلم لكبير سدنة بيت الله الحرام كيس لوضع مفتاح الكعبة المشرفة فيه وهذا الكيس يتم إنتاجه في المصنع مكتوب عليه الآية الكريمة {إنَّ اللهّ يّأًمٍرٍكٍمً أّن تٍؤّدٍَوا الأّمّانّاتٌ إلّى" أّهًلٌهّا} والجانب الآخر مكتوب عليه «أمر بصنعه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود» وهذا الكيس مطرز بالأسلاك المذهبة.
17 مليون ريال
وتبلغ تكلفة ثوب الكعبة المشرفة حوالي سبعة عشر مليون ريال وهي تكلفة الخامات وأجور العمال والإداريين وكل ما يلزم الثوب من مستلزمات.
تأسيس المصنع
وقد تأسس مصنع كسوة الكعبة المشرفة في عهد جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن رحمه الله في عام 1346هـ انطلاقاً من اهتمامه رحمه الله برعاية الحرمين الشريفين حيث أصدر أمره في مستهل عام 1346هـ بإنشاء دار خاصة لعمل كسوة الكعبة المشرفة في مكة المكرمة وتم توفير كل ما يحتاج إليه العمل وقد افتتح المصنع في منتصف العام نفسه وتم إنتاج أول كسوة للكعبة المشرفة واستمر المصنع حتى عام 1357هـ ورغبة في إتقان هذا العمل وإظهاره بالصورة التي تتلاءم مع قدسية الكعبة المشرفة صدر أمر جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله في عام 1382هـ بتجديد المصنع وفي عام 1397هـ تم افتتاح المبنى الجديد بأم الجود في مكة المكرمة وزود بآلات حديثة لتحضير النسيج وأحدث قسم النسيج الآلي مع الإبقاء على أسلوب الإنتاج اليدوي لما له من قيمة فنية عالية وما زال المصنع يواكب عجلة التطور ويحافظ على التراث البدوي العريق لينتج كسوة البيت العتيق في أبهى صورها.
تاريخ الكسوة
وقد ذكرت كتب التاريخ أن أول من كسا الكعبة المشرفة أن عدنان الجد الأعلى لرسول الله صلى الله عليه وسلم هو أول من كسا الكعبة المشرفة ولكن الثابت أن تبع الحميري ملك اليمن هو أول من كساها بالخصف وهي ثياب غلاظ ثم كساها المعافير ثم كساها الملاء والوصائل وقد كساها الكثيرون في الجاهلية وكانوا يعتبرون ذلك واجباً من الواجبات الدينية وفي عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كساها عليه أفضل الصلاة والسلام بالثياب اليمانية ثم كساها الخلفاء الراشدون من بعده أبو بكر وعمر وعثمان بالقباطي.
ولا شك أن كسوة الكعبة المشرفة عقيدة من مظاهر الاهتمام والتشريف والتبجيل للبيت الحرام وان تاريخ كسوة الكعبة المشرفة يعتبر جزءاً من تاريخ الكعبة نفسها بعض العلماء قال ان اسماعيل عليه السلام قد كسا الكعبة المشرفة وكساها كثيرون في الجاهلية وكان مباحاً لكل من أراد أن يكسو الكعبة أن يفعل متى شاء ومن أي نوع شاء وكانت الكسوة تصنع من الخصف والوصائل ثياب مخططة يمانية والكرار والديباج والخز والنمارق العراقية والحبر اليماني والأنماط والكرار والقباطي ثياب مصرية وكلها أنواع من النسيج كانت معروفة في الجاهلية وكانت الكسوة توضع على الكعبة فوق بعض فاذا ثقلت أو بليت أزيلت عنها وقسمت أو دفنت ومن ضمن ما يحكى عن الكسوة في الجاهلية ان أبا ربيعة بن عبدالله بن عمر المخزومي أصاب ثراء واسعاً فقال لقريش: أنا أكسو الكعبة وحدي سنة وجميع قريش سنة فوافقت قريش على ذلك وظل يفعل حتى مات وسمته قريش العدل لانه عدل بفعله قريش كلها.
وثبت أن معاوية بن أبي سفيان كان يكسو الكعبة مرتين سنوياً بالديباج يوم عاشوراء وبالقباطي في آخر شهر رمضان ثم كساها يزيد بن معاوية وابن الزبير وعبدالملك بن مروان بالديباج وتراكمت الأكسيه حتى خشي على الكعبة المشرفة من تداعي بنائها فلما حج المهدي العباسي عام 160هـ أمر بأن لا يبقى عليها سوى كسوة واحدة وهو المتبع إلى الآن..
أما الخليفة المأمون فقد كسا الكعبة ثلاث مرات في السنة بالديباج الأحمر يوم الثامن من ذي الحجة وبالقباطي الأبيض في الأول من شهر رجب وفي التاسع والعشرين من رمضان ثم كساها الناصر العباسي ثوباً أخضر ثم ثوباً أسود ومنذ ذلك التاريخ احتفظ باللون الأسود للكسوة.
وأول حاكم مصري سعى إلى كسوة الكعبة بعد انقضاء دولة العباسيين هو الملك الظاهر بيبرس ثم كساها الملك المظفر ملك اليمن عام 659ه واستمر ملوك مصر يكسونها بالتعاقب وفي عام 810 ه أحدثت الستارة المنقوشة التي توضع على واجهة باب الكعبة وهي المسماة ب «البرقع» ثم انقطعت ما بين عام 816-818 ه ثم استؤنفت عام 819 ه حتى الآن وفي عام 751 ه أوقف الملك الصالح اسماعيل بن ناصر قلاوون ملك مصر وقفاً خاصاً لكسوة الكعبة المشرفة الخارجية السوداء مرة كل سنة وكسوة خضراء للحجرة النبوية الشريفة مرة كل خمس سنوات ولكن الخديوي محمد علي باشا حل ذلك الوقف في أوائل القرن الثالث عشر الهجري وأصبحت الكسوة تصنع على نفقة الحكومة واختصت تركيا بالكسوة الداخلية.
وفي عام 1346هـ كما أسلفنا القول وفي عهد جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود أمر رحمه الله بإنشاء دار خاصة لعمل كسوة الكعبة المشرفة وبدأت في الإنتاج في نفس العام.
تلبيس الكسوة
وفي هذا العصر يتم تلبيس الكسوة الجديدة للكعبة المشرفة في اليوم التاسع من شهر ذي الحجة من كل عام يوم الوقوف بعرفات نظراً لأن الزحام يخف حول الكعبة المشرفة في ذلك اليوم لانشغال الناس بالحج ولذلك خصص ذلك اليوم لتركيب الثوب.
|