«قلبه أو عقله كبير».. «ضيق الأفق».. «واسع الإدراك».. «ثقيل الدم.. خفيفه».. «قلة الحياء».. «قوي العين».. «حلو اللسان».. «طويل اللسان»..
عبارات تبدو وهي «تكمم» ما لا يرى أو يحس في الإنسان.. بمعنى أنها توصفها رقمياً بالأحجام والأرقام والأوزان والمساحات والقدرات على الرغم من أنها كما قلت أشياء غير مرئية أصلاً..
فكم «كيلو» هو يا ترى وزن القلب أو العقل الكبير.. وما هي «بالأمتار» افاق الأفق الضيق.. أو سعة الإدراك الواسع.. بل كم رطلاً يجب أن يزنه الدم الإنساني ليكون ثقيلاً.. وكم من رطل يجب أن يفقده هذا الدم ليحظى «بالخفة» المرغوبة.. وهل هناك في مثل هذه الحالة برنامج تخسيسي لفقدان الوزن الثقيل دمويا..؟!، وكم هي خطوات التجاوز التي يتعين على «الحياء» تجاوزها لكي يتم توصيفه بالقلة.. وما نوع العضلات التي يفترض أن تؤهل العين لتحظى بقوة عينية معتبرة.. بل ما هي درجات الحلاوة «اللسانية؟» وما علاقة هذه الحلاوة بالسكر.. بالعسل.. بالحنظل.. بأي شيء من هذا القبيل «الحلو/المر» أو قريبه/نقيضه: الحامض/الحلو؟
من الممكن القول إن مثل هذه الظاهرة.. ظاهرة «تكميم» الإنسان لما لا يُرى في الإنسان.. بمعنى منح قلبه أو عقله أو دمه.. الخ سماتا وخصائص كمية/رقمية محسوسة الحجم ملموسة الوزن مسبورة المساحة.. هذه الظاهرة لم تنشأ من فراغ.. ولم تتبلور بين عشية وضحاها، فبكل تأكيد أنها قد استغرقت أزماناً وأزماناً لكي يسخرها بنو الإنسان للاستهلاك الإنساني والسبب البديهي وراء يقينية هذا الافتراض يتمثل في كون هذه الظاهرة نتاج للتفاعل الإنساني.. لتعامل الإنسان مع أخيه الإنسان.. لاحتكاكه به.. لتماحكه معه.. لحبه أو بغضه له.. ليأسه منه.. لرضاه عنه.. لكراهيته له.. وغير ذلك من نتائج «الدفع» الإنساني ومكتسباته بقواسمها الزمنية الطويلة المشتركة المكتسبة عبر الأزمان.
فقد بدأ الإنسان أول ما بدأ بالاتفاق اللغوي على رموز هذه الأشياء لغوياً وما تشير إليه من المعاني والدلالات.. لتتأسس من ثم هذه الرموز اللغوية بازدياد جرعات التفاعل الإنساني وتراكمية خبرات لإنسان عن ذاته «الإنسانية»، مما منحه ونظيره المتفاعل معه القدرة على أن يوزعا الأحجام والأوزان والمساحات الملائمة والمتناسبة مع طبيعة كل عضو من أعضائهما الجسدية المخفية/غير المحسوسة تعويضاً عن حقيقة عجزهما على تجسيد هذه الأعضاء بشكل محسوس/ملموس على أرض الواقع المعاش.
بقي أن أقول إن لكل ثقافة رموزها التي اتفق أفرادها عبر مراحل تطورها الزمني على استخدامها عليه فظاهرة التكميم هذه تختلف لغويا باختلاف الثقافات وتباين أجناسها، فلا غرو أن نجد الأمريكان على سبيل المثال لا الحصر يمنحون «الحلاوة» لا إلى اللسان كما هو السائد عربيا بل إلى القلب وذلك بوصفهم لمن يستحق ذلك ب«Sweet Heart»، بينما تجدهم يكنون عن اللسان الطويل - عربيا - بكبر حجم الفم وذلك بتوصيفهم للفرد المهذار بأنه «فما كبيرا: a big mouth»..، كذلك تراهم يكتفون بتوصيف الفرد الذكي/كبير العقل بأنه «المخ» ذاته «He is a brain».
وعلى الرغم مما بيننا وبينهم من تباين ثقافي فثمة تماثل.. على سبيل المثال لا الحصر فتوصيف ضَيِّقِ الأفقِ أو السطحي عندهم قريب المعنى من المعنى المستخدم عربياً من حيث إن كلمة «shallow» تعني في اللغة العربية سطحي.. ضحل ينقصه العمق ويعوزه الإدراك.. إذن فكلنا نحن وهم في «الهواء سواء».. أو «الحال من بعضها».. عمقاً أو ضحالة..!
|