ما هذا الذي يجري؟؟ أيُّ حضارةٍ يدَّعيها هذا العالم المسكون بالوهم والجشع والظلم؟؟ أين قوانين العالم التي تردع الظالم وتنصرالمظلوم؟ أين ما يسمَّى بمجلس الأمن وهيئة الأمم؟ أين الديمقراطية وحقوق الإنسان؟ أين الضمير الحيُّ عند أصحاب هذه المدنيَّة الشوهاء في الغرب؟؟.
أين كرامة الإنسان، وحقُّه في حياة بشريةٍ هادئة؟؟ أين القلوب التي تخفق، والاذهان التي تتأمل، والعقول التي تعي؟، أين الشفقة والرَّحمة؟ أين دعاوى الحرَّية، والإصلاح والرَّعاية التي تدَّعيها قوانين هذا العصر؟
دموع.. دموع.. دموع...
هذا مانراه كل ساعةٍ في فلسطين الجريحة، بيوتٌ مهدَّمة، ومزارع محروقة، وشوارع مغلقة، ودماءٌ مُراقة، وأطفالٌ يقفون على الأنقاض والاشلاء ودموعهم تُروِّي ثرى الأرض من تحتهم، وعدسات التصوير تنقل عبر مئات القنوات هذه الصورة الدَّامية كلَّ لحظةٍ، والعالم في غفوةٍ عميقةٍ، وغفلةٍ مخيفة، وكأنَّ ما يجري لا يعني أحداً فيه؟؟
طفلٌ فلسطيني مقتول الفرحة يسند رأسه إلى بقيَّة من حائط داره وعيناه ترسمان صورةً من الأسى تمزِّق القلب، وتجرح الحسَّ، ودموعه تزيد تلك الصورة عُمْقاً في الأسى والحسرة، ينظر إلى العالم كلِّه من خلال عدسة التصوير التي استطاعت ان تنقل صورته الدامية بتفاصيلها، كان يبكي بكاءً تظهر مرارتُه بلا رتوش، ويخاطب القلوب الجامدة، والنفوس الغافلة، والأذهان الذَّاهلة، يخاطب الغرب والشرق بلغة الدَّمعة والحسرة، قائلاً: أين انتم أيها الناس؟ أين أصحاب العقول والاحلام، أين أصحاب المنظمات الإنسانية، والجمعيات الخيرية، أين أصحاب النظريات الذين يملؤون الدنيا صياحاً وضجيجاً، ويتحدثون عن إنسانية الإنسان، وحرِّيته، وحقِّه في المأكل والمشرب والأمن، أين المؤتمرات واللقاءات التي تعقد يومياً في هذا العالم المسعور؟؟
اسئلة مشتعلة في عيني ذلك الطفل البائس المسكين، اسئلةٌ تتلاشى في صخب الأساطيل والطائرات والمدَّرعات والمدافع والدبَّابات، اسئلة استطاع أنْ يسجِّل بها المصوِّر البارع مكانةً في عالم التصوير الإعلامي، وأن تسجِّل بها القناة المتابعة سبقاً في الخبر المفجع، وأن يسجِّل بها المحاور المنفعل في برنامجٍ سياسيٍّ تلفازيٍّ نجاحاً في مقدرته على الحوار والمناقشات، والخصام والمُهارشة، اسئلةٌ داميةٌ في عيني ذلك الطفل البائس، استطاعت وكالة الأنباء التي نقلت صورته أن تسجِّل موقعاً متقدِّماً بين وكالات الأنباء الأخرى، ثم ماذا بعد هذا؟؟.
لاشيء، وسائل الإعلام تنشغل الآن إلى حد كبير بالانتخابات التي تجرى في غابة بشرية مخيفة اسمها «الدولة الصهيونية» في فلسطين، والمحلِّلون السياسيون مشغولون بتحليل سياسي يقارن بين الذئب والضبع والحيَّة والعقرب والثعبان، أيُّها يمكن أنْ يتفهَّم الوضع الفلسطيني البائس، ويفعِّل ما يسمّونه زوراً وبهتاناً «عمليَّة السلام»، وأين السلاح من وجوهٍ لا تعرف السلام؟؟
صبرك أيها الحبيب الحزين، أيّها الطفل الباكي، ماذا نقول لك غير هذا، أسفي على دموعك التي تجري، وعلى حزن عينيك البريئتين، وعلى دارك المتهدِّمة، وأسفي على ابيك الذي قتل، وأمِّك التي تئن تحت الأنقاض.
ومع ذلك أيها الحبيب البائس فإنَّ الله على كل شيء قدير، الجرح عميق، ولكنَّ رحمة الله قريب من المحسنين، عذراً، عذراً، قلمي توقف وأجهش بالبكاء.
إشارة:
نُسبى ونُطْرَدُ يا أبي ونُباء
|