في يوم السبت الموافق 22/11/1423هـ وانا اتصفح صحيفة الرياض قرأت ما كتبه الاستاذ عبد العزيز السويد في عموده «أحيانا» بعنوان «لا.. للقصاص» اي القتل وهي مقالة بغرض هزلي معاكس حول تشديد عقوبات الغش التجاري في مشروع نظام مكافحة الغش التجاري المقترح ليحل محل النظام القائم الصادر عام 1404هـ، وهذا المقال شدني جدا لأكتب عن مشروع النظام الذي اطلعت عليه وابديت عليه بعض الملاحظات القانونية، وبالنسبة لما جاء فيه من عقوبات فانها - في تقديري - غير رادعة وغير زاجرة، ولذا اكدت في ملاحظاتي بضرورة مضاعفة تلك العقوبات لكي تكون ذات فعالية في مكافحة الغش التجاري لكثرة ما يحصل من اعمال غش تجاري يشتكي منها المستهلك، ولأن من يقوم بها اناس عميت بصائرهم وابصارهم من الطمع والجشع المادي، ولاشك ان مكافحة الاعمال الاجرامية لهؤلاء يستدعي وجود عقوبات رادعة وزاجرة ترعب هؤلاء وتخوفهم لكي يعودوا الى رشدهم وتستقيم اعمالهم، فالغش التجاري سواء كان بسيطا او كبيرا عمل غير مشروع ومحرم شرعا والرسول صلى الله عليه وسلم حذر من ذلك تحذيرا شديدا عندما لاحظ ان احد البائعين لمواد غذائية قد سلك سلوكا ينم عن الغش بأن كان اسفل الكمية المعروضة للبيع مبللا «رطبا» فاستنكر عليه ذلك وقال ما معناه.. الا وضعته في الاعلى ليدركه او يراه المشتري.. «من غشنا فليس منا»، وهذا مجرد غش يريد الفاعل من وراء الرطوبة زيادة الوزن وهناك من اعمال الغش التجاري ماهو اشد واخطر قد يؤدي الى الاصابة بعاهات مستديمة او موت مثل تقليد المنتجات الصناعية وبيعها على انها منتجات اصلية فيضر ذلك بمصالح الافراد لما يحصل من تعرضهم للأخطار الشديدة، وهذا التقليد سلوك عدواني يجب التصدي له بعقوبات صارمة ورادعة، ولان هناك سلوكيات في الغش التجاري متنوعة ومختلفة بسيطة وشديدة وخطيرة منها الغش في الاطعمة والاغذية والادوية مثل انتهاء صلاحياتها للاستهلاك الآدمي، والغش في قطع الغيار والاطارات وغير ذلك من انواع الغش وصنوفه المختلفة التي يجب ان يجازى فاعلها بعقوبة رادعة وزاجرة ليكون هذا الفاعل عبرة لغيره فلا يفكر احد في اقتراف جرائم الغش التجاري مستقبلا.
من هذا المنطلق اكدت في ملاحظاتي على ضرورة تشديد العقوبات وطلبت بمضاعفة العقوبات فالغرامات المالية المحددة بخمسة آلاف ريال كحد ادنى رأيت رفعها الى عشرة آلاف ريال بحيث لا تقل عن ذلك كحد ادنى ورفع الحد الاعلى للعقوبة من خمسمائة ريال الى مليون ريال، واغلاق المحل مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن سنة كاملة وهكذا بالنسبة للعقوبات الاخرى الواردة في المواد «16، 17، 18» بل واقترحت اضافة مادة تقضي بأنه اذا ثبت ان الغش التجاري ادى الى اضرار خطيرة وجسيمة جدا مثل الاصابة بعاهة مستديمة او موت ان يحال المتهم الى المحكمة الشرعية لتوقيع عقوبة تعزيرية تردع وتزجر اذ قد تصل الى القتل «قصاصا» ذلك لان الفاعل عندما اقدم على الغش التجاري الضار الخطر يكون قد تعمد هذا الفعل الخطير والجسيم الضار بالمستهلك فيكون الجزاء بقدر الجرم المقترف إذ لا يطل دم في الاسلام والفاعل المباشر للغش المؤدي الى الاصابة بالعاهة المستديمة او الموت او المتسبب في ذلك يكون مؤاخذا بإنزال العقوبة الرادعة والزاجرة.
ولكيلا توقع هذه العقوبات الا على الفاعل الحقيقي المدان يجب ان يوكل التحقيق معه الى جهات متخصصة ويحاكم محاكمة عادلة من ذوي الاختصاص فقد اقترحت ان يكون اعضاء لجنة المحاكمة من ذوي الاختصاص في الشريعة والانظمة وقرارات هذه اللجنة لا تكون نهائية بل قابلة للاعتراض امام ديوان المظالم، والخيار الآخر ان يناط الاختصاص بديوان المظالم للنظر في قضايا الغش التجاري بدرجتين قضائيتين «دائرة الجزائية، ودائرة التدقيق الجزائية» وهذا فيه ضمانة اساسية في ان تكون المحاكمة وتطبيق العقوبات عادلة ومنصفة طالما تولاها اصحاب الاختصاص، ولاشك ان وجود نظام يشتمل على عقوبات رادعة وزاجرة سيكون له دور اساسي في مكافحة الغش التجاري اذا ما احسن تطبيقه بجدية وصدق وامانة.
هذه بعض الافكار التي اطرحها حول مشروع نظام مكافحة الغش التجاري عسى ان يكون فيها الفائدة، والله ولي التوفيق والهادي الى سواء السبيل وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
(*) محام ومستشار قانوني
عضو لجنة المحامين بالغرفة التجارية الصناعية بالرياض
|