قياساً على النتائج السابقة للانتخابات الإسرائيلية يصح القول بأن الفائز بها ليس بالضرورة قادراً على صنع سلام مع الفلسطينيين إن لم يكن العكس، وإذا كانت الانتخابات - أي انتخابات - تعكس المناخ السياسي واتجاهات الناخبين الذين يمثلون مجتمعاً ما فإن المناخ السياسي الحالي في الكيان الإسرائيلي ومؤسساته السياسية والعسكرية جميعها بعيدة عن أجواء السلام، حتى من كانوا على أجنحة اليسار والوسط يتحدثون بلغة لا تختلف كثيراً عن نظرائهم في أجنحة اليمين المتشددة، وحتى أفعالهم لا تختلف عنهم، فالذي فعله بنيامين بن إليعازر هو ما يفعله بديله موفاز، ولذا نخلص بأن فوز الليكود وإن جسد حقيقة المجتمع الإسرائيلي وكشفه على حقيقته، فإنه لا يفعل غير ما كان سيفعله حزب صهيوني آخر لو فاز في الانتخابات، وعلينا أن نسترجع الفترات التي حكم فيها تجمع العمل الذي خاض كل الحروب الإسرائيلية ضد العرب.
ما أريد الوصول إليه، هو أن فوز الليكود، يكشف الحقيقة الحربية للمجتمع الإسرائيلي، ويفرض على الفلسطينيين والعرب معاً التعامل مع هذه الحقيقة، وألا يعوِّلوا على أي تفهُّم من قبل ما يسمونه بأجنحة السلام أو «الحمائم»، كما يقولون.
ولعل فوز أرييل شارون ونتنياهو وليبرمان وتوزير موفاز، عوامل محفزة للفلسطينيين لحزم أمرهم ومراجعة استراتيجية المواجهة مع المحتلين الإسرائيليين، ولهذا فقد كان الاجتماع في القاهرة، الذي شاركت فيه جميع الفصائل الفلسطينية، فرصة ذهبية لصياغة هذه الاستراتيجية، فالاجتماع يجب ألا يُتعامل معه، وكأنه مفروض على الفلسطينيين، وأنه عقد نتيجة إملاء عربي أو خارجي على الفصائل الفلسطينية، فمصر - وأي بلد عربي -، لا تستطيع أن تفرض على ممثلي الفصائل الفلسطينية - وهم أصحاب الخبرة النضالية الطويلة - ما لا يريدونه، كما أن مصر لا يمكن أن تطلب من الفلسطنيين ما يتعارض مع نهج التحرير والكفاح. وبما أن الاجتماع الذي شهدته القاهرة لم يكن مرتبطاً بنتائج الانتخابات الإسرائيلية، فإنه يجب أن يتواصل ويستمر، بشرط ألا يكون خاضعاً لأي توجهات غير فلسطينية، إلا الاستماع إلى النصيحة العربية التي يفترض ألا تخرج عن الحث على التمسك بالانتفاضة الفلسطينية، التي أصبحت الوسيلة الوحيدة التي لا خيار عنها، لإعادة الحق الفلسطيني. إلا أنه وكما للنضال والكفاح عدة وجوه وصور، فإنه يفترض أن تكون للانتفاضة وجوه عدة، وألا يعتمد على الأسلوب الذي تسير إليه - وتدفع له دفعاً - المقتصر على «عسكرة الانتفاضة»، فهذه الانتفاضة إذا أريد لها النجاح والاستمرار وصولاً لتحقيق الأهداف، فعليها البعد عن الوسائل التي لا يمكن أن تجاري فيها الإسرائيليين. وتحويل المقاومة الشعبية، وتوسيع الانتفاضة ليشارك فيها كل الشعب الفلسطيني، لا يتمان عبر عسكرة المواجهة، وإنما باعتماد أساليب وأنماط أكثر فعالية وتأثيراً على الاحتلال الإسرائيلي من خلال استنباط طرق جديدة، تؤدي إلى توسيع المشاركة الشعبية، وليس تحويل الانتفاضة إلى مواجهة عسكرية مباشرة مثلما تعمل قوات الاحتلال الإسرائيلي على استدراج الفلسطينيين لها.
|