Saturday 1st february,2003 11083العدد السبت 29 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

على حافة الهاوية على حافة الهاوية
د. سهام العيسى

منذ أن بدأ الجدل العلمي والأخلاقي حول الاستنساخ ونحن نفكر كيف يمكن أن يتنازل الإنسان عن تفرده التاريخي ويسير بكل ثقة إلى متاهات لا يعرف نهايتها، قد يكون الإنسان سبب لدمار نفسه أو مجتمعه ولكن أن يكون سبباً «لدمار البشرية وجرها إلى حافة هاوية لا تستطيع النجاح منها فهذا يمثل أقوى التحديات الحقيقية لأخلاقيات العلم».
خلال تصفحي لبعض المواقع على شبكة الإنترنت لفت انتباهي استفتاء طريف لأحد صحفنا المحلية وهو حول الشخصية التي تود استنساخها في حالة توافق الضوابط وعدم مخالفتها للشرع ونجاح العلماء في ذلك، لم تحدد الصحيفة شخصيات معينة بل تركت للقارئ حرية الاختيار وباعتقادي ان هذا سيؤدي إلى بعض الصعوبات عند حصر نتائج الاستفتاء. في لقاء أجرته مقدمة برنامج «دنيا» مع رئيس الطائفة الرائيلية سألته عن الهدف من الاستنساخ أجاب أن الهدف الأساسي هو البحث عن الخلود حيث أفاد «إن العلم يتطور وأن العلماء في السنوات القادمة سيتمكنون من إنتاج إنسان وفي غضون ساعات وبالتالي سيتحقق حلمنا وهو فتح باب الحياة الأبدية والخلود في الأرض، أفكار هذه الطائفة بعيدة عن حدود المنطق والفطرة السليمة فالخلود الذي يدعي انه سيصل إليه هو لكائن آخر وهو مجرد امتداد وراثي فقط وحتى لو استمر بالعيش في هذه الدنيا أكثر من ألف سنة ألن يصاب بالملل؟؟؟ وسيتساءل بدوره عن النهاية، ولو ربطنا هذا الخلود بأعمار الناس في عهد النبي نوح عليه السلام حيث كانت أعمارهم تصل إلى ألف سنة أو أكثر فالكثير منا يتساءل كيف كان يقضي الناس أوقاتهم في ذلك الزمان، وهل نسبية الوقت هي مثل أوقاتنا العادية أم تختلف؟ ان طول أعمارهم عطاء وحكمة إلهية تعجز عقولنا البشرية عن فهمها ولكن ما يسعى إليه الرائيليون هو نوع من العبث الإنساني. أعمارهم عطاء وحكمة إلهية تعجز عقولنا البشرية عن فهمها ولكن ما يسعى إليه الرائيليون هو نوع من العبث الإنساني.
يعلق البروفيسور رينر كولترمان وهو ألماني متخصص بالهندسة الوراثية بقوله: إن الإنسان يخطأ كثيرا عندما يحاول أن يلعب دور الإله، إن دور العلماء ليس بهذا الحجم العملاق، ولن يكونوا. ان الله يخلق الأشياء من العدم أما هم فينسخون أشياء من أشياء خلقها الله. علماء الاجتماع والقانون يرون أن الاستنساخ هو هاوية الجنس البشري فهو يعمل على زعزعة الهيكل الاجتماعي المتعارف عليه من بداية رحلة الحياة على الأرض، وهو يقضي على مفهوم العائلة لأنه لم تعد هناك حاجة إلى أب أو أم ترعى هذه الأجنة بل إلى مؤسسات رسمية، وهذا سيؤدي إلى ازدياد معدل الجريمة وسهولة التهرب منها.
عرضت شركة كلونيد على حفيد دراكولا استنساخ جده الكريم على الرغم من تأكيد العلماء عدم القدرة على استنساخ الأموات، وكذلك يتردد في الأوساط العلمية أن أحد العلماء الايطاليين يجري اتصالات لاستنساخ أحد الرؤساء العرب المعاصرين، وأظن أن الكثير من عرابي المانيا ومجرمي الحروب سيطلبون استنساخهم وغيرهم كثير، حيث ذكر السيد رائييل أن شركة كلونيد التي أسسها عام 1997م لديها قائمة طويلة بأسماء ألف شخص ينتظرون استنساخهم أو استنساخ أحد أحبائهم مقابل 200 ألف دولار.
والسؤال المحير الآن هل ستدخل جميلات العالم أمثال بروك شيلدز وسيدني كروفورد وجوليا روبرتس هذه الدوامة وهذا العالم الجديد للحصول على صورة طبق الأصل منهن؟؟؟ لا أعتقد، وذلك حتى لا تشاركها الجديدة وربما تتفوق عليها في عقود العمل والمعجبين وبالتالي يقل الرصيدان الجماهيري والمالي.
منذ أيام أعلنت جامعة ستنافورد أنها تستعد لاستنساخ أجنة بشرية بهدف إنتاج خلايا جذعية لأغراض طبية، وهذا يدعو البعض إلى التفكير في التفرقة بين الاستنساخ التكاثري والاستنساخ العلاجي، ولنا أن نتساءل هل من العدل استخدام النسخ البشرية كقطع غيار والتخلص من باقي أعضاء الجسد في سلة المهملات أو بأي وسيلة أخرى؟؟؟.
القضية خطيرة وشائكة والصراع بين العلماء المؤيدين للاستنساخ وبين الذين يرفضونه أو لا يثقون بنتائجه بلغ مداه فقد صرحت الدكتورة تانيا دومنكو رئيسة شركة «سليثرا» في ماساتشوسيتس: انها حاولت على مدى ثلاثة أعوام استنساخ قرد واحد ولكنها فشلت بعد أن أجريت 300 عملية استنساخ لذا فهي لا تصدق النتائج المعلنة. يقول الدكتور عبدالرحمن العوضي رئيس المنظمة العربية الإسلامية للعلوم الطبية: ان الإسلام لا يضع حجرا «أو قيداً» على حرية البحث العلمي، ولا يترك الباب مفتوحاً دون ضوابط أمام دخول تطبيقات نتائج البحث العلمي إلى الساحة العامة بغير أن تمر على مصفاة الشريعة لتمرير الحلال وحجر الحرام، فلا يسمح بتنفيذ شيء لمجرد انه قابل للتنفيذ، بل لا بد أن يكون خاليا من الضرر وغير مخالف للشرع، ودعا الدكتور العوضي إلى تشكيل لجان متخصصة في مجال الأخلاقيات الحياتية لاعتماد وثيقة دولية عن حقوق الجنين تمهيداً لإصدار قانون خاص به. بينما يرى العالم المصري أحمد المستجير أن عمليات الاستنساخ ستكون محدودة وانها ستكون محصورة في أناس يعانون العقم، ولديهم إمكانات مادية كبيرة لتمويل هذه العمليات لحسابهم، وان استنساخ أي عضو في المعامل لا يؤدي إلى قتل جنين، لانه لن يكون هناك جنين عند استنساخ الأعضاء البشرية. أظن أن الجميع يعرف رأي الدين وحكمه في هذا البعث الإنساني ولكننا نود أن تصدر فتوى من هيئة كبار العلماء والمجمع الفقهي الإسلامي الدولي حول هذا الموضوع بكل جوانبه خصوصا بعد الإعلان أن الطفل المستنسخ القادم سيكون في إحدى الدول الإسلامية. في النهاية أعود لتوقعاتي لنتائج استفتاء صحيفتنا المحلية، الذي أتوقعه أن يكون إما لأبطال تاريخيين لأننا في زمن الفوضى والانحسار الحضاري نحاول استرجاع بطولاتنا السابقة، أو شخصيات فنية نتيجة للتأثير القوي لفضائياتنا المستنسخة، أما الأنانيون أمثالي فأعتقد انهم لن يستنسخوا أحدا، فنحن نؤمن بأن الفردية هي تخص كائناً واحداً فقط حتى لو كان الآخر نسخة طبق الأصل لذا لا نفكر في دخول تلك الدهاليز المظلمة. أعاذنا الله وإياكم من علم لا ينفع.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved