يحرص كل مجتمع انساني على التميز والرقي لينال احترام وتقدير الآخرين، وتأتي الهيمنة الفكرية بين المجتمعات الانسانية من هذا المنطلق بشكل نسبي فكلما كان المجتمع أكثر رقيا وتحضرا كانت هيمنته على من دونه بنفس مستوى الفارق في هذا الجانب، وكذلك تكون نسبة قناعة الآخرين به وبمبادئه على قدر ما يتمتع من حضارة ورقي واكثر ما يعيق المجتمعات الانسانية المنطلقة الى الريادة ما تتوارثه الاجيال من عادات وتقاليد تقسم بالرجعية والتخلف، ومن المعلوم ان جميع المجتمعات الانسانية عبر تاريخها القديم مرت بعصور مظلمة، كان للعالم العربي قبل الاسلام نصيب منها وافر من الضلال والظلام، كيف لا والواحد منهم كان يأد بنته ويدفنها بالتراب حية، والآخر يعبد التمرة ثم يأكلها والجميع أثناء هذه الفترة الدامسة الظلام يتوارثون المرأة ويعتبرونها كبقية الأشياء التي تورث من اثاث وبهائم ومال ونحوها.
علما أن هناك مجتمعات في وقتنا الحاضر تعيش في تخلف ورجعية لا تبعد عما ذكر آنفا لبعدها الفكري عن مصادر الوحي ومشارب الحضارة.
لكن ما يحز في النفس ويدمي القلب ويذيبه كمدا ان تسمع او تعلم ان بعض المجتمعات الاسلامية لا تزال تتمسك ببعض عادات وتقاليد الجاهلية الجهلاء من منطلق انها «اسلوم قبائل» والاسلام قد حرمها بصريح القرآن وصحيح السنة، كالثأر والله جعل في القصاص حياة لأولي الألباب، قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. وحرم قتل المؤمن وشدد في الوعيد عليه قال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً}. آية 93 النساء.
وكالحجر على بنت العم الا تتزوج غير ابن عمها الذي ربما كان مدمن مخدرات او بينه وبين بنت عمه بونا شاسعا في جانب الطموح والتفكير والثقافة، ومن المعلوم ان هذه العادة السيئة من الظلم والتعسف، والله يملي للظالم حتى اذا اخذه لم يفلته ومن عادات الجاهلية المعاصرة التحاكم لغير القرآن والسنة والله أمرنا في القرآن ان نرد ما نتنازع فيه الى الله والرسول وكذا من عادات الجاهلية التي تظل في امة محمد صلى الله عليه وسلم الى قيام الساعة الفخر بالاحساب والطعن في الأنساب الى غير ذلك من العادات والتقاليد الجاهلية في عالمنا العربي المسلم المترامي الأطراف علمنا منها القليل وما نجهله أكثر ومما يحز في النفس ان تجد اناسا قد نالوا من التعليم نصيبا وافرا وعايشوا المجتمعات المتحضرة وعلموا من الدين الاسلامي ما تقوم به عليهم الحجة ان تجدهم في موضوع «السلوم» المقيتة كالصم البكم العمي فهم لا يعقلون.
ولاشك ان الاسلام الذي جب الجاهلية الاولى باق ليجب كل جاهلية تستجد الى قيام الساعة، فإما جاهلية او اسلام.
اني اناشد المتعلمين من ابناء جلدتنا بتحمل المسؤولية الدينية والاجتماعية الملقاة على عاتق كل واحد منهم تجاه مجتمعه الصغير لنبذ التقاليد والعادات الذميمة المخلة بالعقيدة بشكل خاص وترك العادات والتقاليد المسببة للازدراء والمقت لاهلها بشكل عام ولاشك انها مسؤولية جسيمة وشاقة ولكنها ضريبة العلم وزكاته ولله در من قال:
ذو العلم يشقى في النعيم بعقله
وأخو الجهالة بالشقاوة ينعم
|
(*)مدير التوجيه والتوعية بوزارة الداخلية
|