جهود اللحظة الأخيرة

تسعى الدول العديدة النابذة للحرب حثيثاً لاعتراض طريق الحملة العسكرية الأمريكية الإنكليزية الموجهة ضد العراق. ومثلما حشدت واشنطن ولندن بمساندة واضحة من أستراليا وبتحريض من إسرائيل الجنود المدججين بأحدث الأسلحة والمعدات العسكرية الذين يُنتظَر أن يصل تعدادهم إلى ربع مليون جندي، فإن الدول الرافضة للحرب تحشد جهودها الدبلوماسية لتغليب الخيار الدبلوماسي وإعطاء فرصة حقيقية للحوار الإيجابي الهادف لحل الأزمة الناشبة بين الولايات المتحدة الأمريكية والعراق، وليس تكثيف الضغوط السياسية على بغداد.
ضمن هذا السياق وهذا الجهد الحثيث يأتي من الجانب العربي التحرُّك السعودي الذي برز من خلال الرسائل التي بعث بها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وسمو ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، إلى قادة الدول المهمة. ويكاد يكون سمو وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل متفرغاً لمعالجة هذه المهمة التي بقدر ما هي نبيلة وإنسانية، فإنها صعبة ومضنية. فمنذ أكثر من شهر وهو يتنقل من عاصمة إلى اخرى ناقلاً رسائل القيادة السعودية ومجرياً مباحثات مكثفة مع قادة الدول ونظرائه من وزراء الخارجية في الدول صاحبة القرار الدولي والدول العربية المحورية والدول المجاورة للعراق.
الجهد السعودي والجهد العربي الآخر إضافة إلى جهود الدول الساعية إلى تغليب الخيار الدبلوماسي على الخيار العسكري الذي لا يجلب سوى الدمار للمنطقة عموماً فضلاً عن تدمير العراق، وتخريب اقتصاد الدول النامية والدول الصناعية على حد سواء.
هذا الجهد السعودي والعربي والدولي يستحق أن يُعطَى فرصاً لتحقيق الأهداف السامية التي يسعى إليها، وليس حصره في حدود اللحظة الأخيرة التي تصر عليها واشنطن ولندن بتحديد بضعة أسابيع لا تتعدى أسبوعين أو ثلاثة، فالقضايا مثار النزاع بين واشنطن وبغداد، قضايا معقدة ومتشعبة تترتب عليها نتائج كبيرة، منها اندلاع حرب إقليمية يصفها الكثيرون بأنها حرب عالمية ثالثة لضخامة القوات التي تشارك فيها، واستعمال أسلحة فتاكة لا يُستبعَد أن يكون بعضها مما يُصنَّف كأسلحة دمار شامل.
إذن فمصلحة البشرية جمعاء، والرغبة في الحفاظ على السلام والاستقرار العالمي تتطلبان إعطاء وقت يتيح لجهود الخيرين تنحية الحل العسكري لتحقيق الأهداف بأسلوب الحوار والتفاهم بدلاً من القتل والدمار.